وائل الدحدوح جبل الصبر
أخي الكريم وائل الدحدوح حفظك الله ورعاك: بداية أسألُ اللهَ تعالى أن يأجُرَكَ في مصيبتك، وأن يُخلِفَكُ خيرًا منها، ثم انظر إلى هذا المصاب الجلل الذي جعله الله لك مذكِّراً به جل جلاله، لتقول بلسان الحال والمقال: سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري، سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمرّ من الصبر".
ففقد الولد رُزءٌ عظيم وخطبٌ أليمٌ، وابتلاءٌ لا يقدر على تحمله إلا رجلٌ حليمٌ؛ إنّ ذلك هو ما حدث لك بفقدك لولدك "حمزة"رحمه الله وأنزله منازل المقربين.
أخي العزيز: تأملتُ ألوانَ الابتلاءِ التي قد تُصيبُ العبدَ في حياتِه، فما وجدتُ أعظمَ مُصيبةٍ مِن أن يُصابَ المؤمنُ في دينهِ؛ لأنّها المصيبةُ التي تلحقُ الإنسانَ إلى أخراه، فتُوطِئُه مَواطئ الكفرةِ الفجرةِ، وتحطُّه في دركاتِهم.
وتأملتُ في مصائبِ الدنيا فوجدتُ مِن أعظمِها أنْ يُصابَ المرءُ بفقدِ ثمرة فؤاده ولدِه، فعلمتُ حينَها لماذا أُصيبَ جَمْعٌ مِن الأنبياءِ العظامِ في أولادهم؟.
وتأملت مصائبَهم فيهم فوجدتُ نبيّ الله آدم أُصيب بأن قتل أحدُ أبنائِه ابنَه الآخرَ- عندما قام قابيل بقتل هابيل - فكان أحدُهما مُخلدًا في النار يحمل أوزار سُنّة القتل في البشرية، والآخر صبر فكان من أهل الجنة، فعلمت أنّ مصيبتَه فيمن بقي حيًّا في الدنيا إلى حين ليكون طعمة للنار، أعظم مِن مصيبته في فقد الابن الصالح الذي قال:{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [سورة المائدة: 28]، لأنه ادخره للجنة.
ووجدتُ نبيّ الله نوحًا -عليه السلام- قد أُصيبَ بكفر ابنه؛ حتى بدأ يغرق بين عينيه مع الظَلَمَةِ، حتّى جأرَ إلى الله تعالى: {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [سورة هود: 45]، فعلمت أن مصيبته فيه عظيمة؛ لأنه خسر دنياه وأخراه:{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين} [سورة هود: 46]
ووجدت خليل الله إبراهيم –عليه السلام - ابتُلي فكان ابتلاؤه بيده ليعظمَ، ليذبحَ ابنَهُ بعدَ أنْ بلغَ معَه السعيَ وكَبُرَ وأصبحَ أقدرَ على نفعِه؛ حتّى{أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} فلمّا نججَ فدَاهُ بذبحٍ عظيمٍ.
ووجدتُ نبي الله يعقوب - عليه السلام - ابتُلي بتغييب ابنه "يوسف"عنه نحوًا من أربعين عامًا لا يدري في أي مكان هو، حتّى{َتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}[سورة يوسف : 84] ثم ابتُلي بغياب ابنين آخرين، حتى جَأَرَ إلى الله تعالى:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [سورة يوسف: 83]
ووجدت نبي الله أيوب - عليه السلام - ابتُلي بموت جميع أولاده ومعهم أهله وصحته وماله، حتّى{نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [سورة الأنبياء: 83].
ووجدت نبي الله محمد - ﷺ - عليه قد ابتلي بموت ولديه القاسم وابراهيم عليهما السلام عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال:(دخلنا مع رسول الله ﷺ على أبي سيف القين، وكان ظئرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله ﷺ إبراهيم فقبَّله وشَمَّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلتْ عينا رسول الله ﷺ تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى فقال ﷺ:إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
أخي الحبيب: لا شك أن الابتلاء عظيم ولكنّ ما عند الله من الأجر أعظم فهو البلسم الذي تهون معه المصيبة فقد ورد عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد»، وبحسب هذه البشارة العظيمة أن تكون سلواناً وأنساً لك، لأن﴿مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾