عاجل - ما تعنيه إدانة إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية


كتب حلمي الأسمر - 

بدأت محكمة العدل الدولية، اليوم الخميس، بالنظر في الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني، طالبة إدانتها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. ولافتٌ أن أول من وضع هذا المصطلح المحامي اليهودي البولندي، رافائيل ليمكين، ولد سنة 1900. "ووفق ليمكين، تعني كلمة "الإبادة" تدمير الشعب أو جماعة معينة. وصاغ مصطلح "الإبادة الجماعية" (genocide) عن طريق الجمع بين كلمة "جماعي" اليونانية، وتعني سلالة أو قبيلة، مع كلمة الإبادة اللاتينية التي تعني القتل. وعموما، لا تعني الكلمة التدمير المباشر، ما عدا إذا تمت الإبادة الجماعية من كل أعضاء الدولة. والكلمة تعني وضع خطّة منظمة تتألف من إجراءات مختلفة تهدف إلى تدمير الأساسيات الضرورية لحياة مجموعات قومية، بالإضافة إلى إبادة المجموعات نفسها، فالإبادة الجماعية موجهة ضد الدولة والشعب، وعمليات تلك الإبادة هي موجّهة ضد الأفراد الذين هم أعضاء تلك الدولة"، ... انتهى الاقتباس من "موسوعة الهولوكست". وبهذا المعنى، الإبادة الجماعية هي بالضبط ما تقوم به "إسرائيل" اليوم ضد غزّة وفق تعريف ليمكين للمصطلح، والذي كان يريد أن يوسّع المصطلح ليشمل النازيين!

وتتضمّن مرافعة جنوب أفريقيا حشدا من تصريحات المسؤولين الصهاينة وزراء وأعضاء برلمان وقادة عسكريين وجنودا، تؤكّد أن ما يقوم به الكيان إبادة جماعية بالمفهوم الحرفي للمصطلح الذي صاغه المحامي البولندي اليهودي، والذي أمل في حينه أن يستعمله لإدانة المسؤولين عن الهولوكوست.

الكيان الصهيوني ملزمٌ بالمثول أمام محكمة العدل الدولية في الجلسة التي حدّدتها المحكمة، 11 يناير/ كانون الثاني (اليوم الخميس)، بالدعوى، وفق الخبير في القانون الدولي أنيس القاسم، فالتوقيع على الاتفاقية يلزم الاحتلال بالامتثال للولاية القضائية الدولية لكونه أحد الأعضاء الموقعين على المعاهدة الخاصة بالإبادة الجماعية، وتنبع أهمية هذا الأمر، وفق توضيحات القاسم لأكثر من وسيلة إعلام، من أن الإجراءات في المحكمة تتكوّن من شقين: إجرائي وقتي، وهو الذي يُرعب الاحتلال، حيث تستطيع المحكمة إصدار قرار بوقف الحرب فورا وإدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات إلى حين صدور القرارات بالشقّ القانوني والقضائي، الذي قد يستغرق وقتا في الجلسات والمرافعات، وهذا يعني أن قرارا وشيكا قد يصدُر عن المحكمة بهذا الشأن، وخصوصا أن معظم القانونيين المطلعين على ملف الدعوى (نُشر باللغة العربية)، واطلع عليه كاتب هذه السطور، يؤكّد على أن لإدانة الكيان بجريمة الإبادة الجماعية حظا قويا جدا أكثر من احتمالات تبرئتها. ويؤكّد ملفّ الدعوى (84 صفحة)، أن تصرّفات إسرائيل تعدّ إبادة جماعية في طابعها، لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من الفلسطينيين في غزّة. وبناء عليه، تريد من المحكمة أن تعلن أن إسرائيل "قد انتهكت، وما زالت تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية"، لعام 1948، التي تعرّف الإبادة الجماعية بأنها "أفعال ترتكب بقصد التدمير، كليا أو جزئيا، لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية".

كتبت صحيفة الغارديان البريطانية أن قرار إسرائيل الدفاع عن نفسها أمام محكمة العدل الدولية سيجعل من الصعب عليها تجاهل أي نتيجة سلبية، علما أنه إذا وضعنا جانبا امتثال الكيان من عدمه لأي أمر من المحكمة لتغيير تكتيكاته العسكرية، فإن الضرر الذي قد يلحق بسمعته عالميا سيكون فادحا، وكذا فعلت صحيفة هآرتس العبرية، حين ذكرت أن أي قرار من المحكمة يدين إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزّة ستترتب عليه آثار سلبية كبيرة أخلاقيا، كما أن قرارا بهذا الشأن سيمكّن المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية من النظر في اتخاذ خطوات ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين. ناهيك عن إلزام "البلد" المُدان بدفع تعويضات عن كل ما نتج عن جريمته، وقد تكون لحكم المحكمة آثار محتملة كبيرة ليس فقط في العالم القانوني، بل لها تداعيات عملية ثنائية ومتعدّدة الأطراف واقتصادية وأمنية.

وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية ليست لديها آلية لتنفيذ أحكامها (تجاهلت روسيا حكما مماثلا في حربها على أوكرانيا)، إلا أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كما يقول القانونيون، يمكنهم قبول نتائجها، وهذا يؤثر على أنواع السياسات التي تضعها الأمم المتحدة، ويضع الدول التي تدعم جرائم الكيان في غزّة في وضع حرج، كالولايات المتحدة التي ستطاولها الإدانة بشكل غير مباشر، ما قد يضطرّها إلى الحدّ من هذا الدعم أو وقفه كليا، وهذا سيؤثّر على مجريات عدوان الكيان في غزّة، وربما يضطره إلى تغيير سياساته في هذا الشأن. وأيا يكن من أمر، فإن لجوء دولة كجنوب أفريقيا إلى هذا الإجراء يضع علامة تساؤل كبيرة عن سبب إحجام أي بلد عربي أو مسلم للقيام بما قامت به جنوب أفريقيا، حيث يفسّر هذا الموقف أن تلك البلدان لم تملك الجرأة الكافية للقيام بهذه الخطوة، خوفا من الغضب الأميركي ربما، أو ربما لأنها تتماهى مع الهدف الصهيوني، القضاء على المقاومة في غزّة، وهو ما فشل فيه الكيان، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من العدوان المتوحش.

معادلات كثيرة ستتغير في حال إدانة إسرائيل، من أهمّها أن الإدانة تعني، في ما تعنيه، أن إسرائيل ترتكب "هولوكوست" في غزّة، أي مذبحة تشبه ما تتحدّث هي عنه عقود عن مذابح النازيين الألمان ضد اليهود، ولا تزال، تحت هذا العنوان، وعنوان معاداة السامية، تبتزّ العالم كله، وتُشعر كثيرين من الحكّام في العالم بـ"الذنب" الذي ارتكبه أسلافهم، ما قد يؤذن بنهاية حقبة كاملة من الأكاذيب، حيث ستتحوّل "الضحية" بقرار دولي مدعم بالقانون إلى قاتل مدان بالإبادة الجماعية.


(العربي الجديد)