عاجل - مع مَن ستقف الأنظمة العربية إذا توسّع الصراع؟!
كتب كمال ميرزا -
لا نريد توسيع الصراع..
نحذّر من تداعيات توسيع الصراع..
نبذل كامل جهدنا للحيلولة دون توسيع الصراع..
هذا هو لسان حال الأنظمة العربية منذ اليوم الأول لـ "طوفان الأقصى"، وما تلاه من حرب "إبادة" و"تهجير" ممنهجة يشنّها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني بدعم أميركي وغربي مفتوح.
قطعا توسّع الصراع لا يصبّ إطلاقا في مصلحة أيّ من الدول والشعوب العربية، ولكن الهاجس الأكبر حاليا لدى الأنظمة والنخب الحاكمة العربية إزاء توسّع الصراع هو أنّها ستصبح مضطرة ساعتها لأن تعلن صراحة حقيقة اصطفافاتها وانحيازاتها، أمام الآخرين، والأهم، أمام شعوبها وجبهتها الداخلية.
الاختباء وراء تصريحات رنّانة وإنشاء إعلامي منمّق ومتذاكي ومتقعّر و"مغمغم" وحمّال أوجه ستغدو مهمة أصعب في حال توسّع الصراع!
الموقف المُعلن لهذه الانظمة هو أنّها تقف مع غزّة، ومع حقوق الشعب الفلسطيني، وضد مخطط "الإبادة" و"التهجير". ولكن الترجمة العملية لهذا الموقف ما زالت حتى هذه اللحظة تنحصر في حدود الخطاب السياسي والحراك الدبلوماسي وجهود الإغاثة.. دون أي مفاعيل عسكرية أو حتى اقتصادية على الأرض.
ماذا لو توسّع الصراع وفُرضتْ الحرب على هذه الأنظمة، وأصبح لزاما عليها أن تنخرط عسكريا في الصراع والمجهود الحربي؟
هل ستنحاز إلى جانب غزّة والمقاومة الفلسطينية؟ ولكن هذا الجانب من "الجبهة" يضم أيضا ما يسمّى "محور الممانعة" الذي يشمل سوريا واليمن وإيران وحزب الله والفصائل العراقية!
أم أنّها ستنحاز إلى جانب "الحليف" الأميركي و"الصديق" الإسرائيلي؟ ولكن في هذه الحالة ستكون ضد المقاومة الفلسطينية، ومع القضاء على هذه المقاومة، ومع مخطط "الإبادة" و"التهجير"!
الخيار الثالث أن تبقى هذه الأنظمة على "الحياد"، ولكن تعريف الحياد عندها سيكون في حدّ ذاته ورطة عويصة!
فأولا هذه الأنظمة هي أساسا موضع انتقاد وهجوم كبيرين من قبل القوى الشعبية بسبب حيادها الحالي، وعدم مبادرتها لنصرة غزّة عسكريا، وقطع كافة العلاقات وأشكال التطبيع والتنسيق الأمني والتبادل التجاري مع الكيان الصهيوني.
وثانيا هل سيشمل "الحياد" كل شيء، أي منع استخدام القواعد الأجنبية المتواجدة على الأراضي العربية مُنطلقا للأعمال العسكرية ولو لوجستيا؟ ومنع استخدام الأجواء والمياه الإقليمية العربية لنفس الغاية؟ أو حتى مطالبة القوات الأجنبية بإخلاء هذه القواعد حتى لا تكون أهدافا عسكرية محتملة؟
اليمن قد استبق الجميع، وأعلن سلفا أنّه يعتبر حتى فتح الأجواء أمام الطائرات المُغيرة بمثابة مشاركة في الحرب.. فماذا سيكون ردّ فعل بقية الأنظمة العربية المعنيّة؟
ولو انتقلنا من الحديث العام، وتكلمنا بشيء من التحديد، ماذا سيكون موقف كل نظام عربي منفردا؟ ولنأخذ ما تسمّى "دول الطوق" مثالا:
في حال توسّعت الحرب هل سيقف النظام الأردني إلى جانب المقاومة؟ أم أنّه سيتذرّع بأنّ محور المقاومة يضم أيضا إيران وحزب الله اللذان يدعمان عصابات تهريب المخدرات والسلاح التي تهدد جبهة الأردن الشمالية وأمنه الداخلي؟
وفي حال توسّعت الحرب هل سيقف النظام المصري مع المقاومة؟ أم أنّه سيتذرّع أنّ المقاومة محسوبة على "الإخوان المسلمون" عدوّه الداخلي، وأنّ محور المقاومة يضم "الحوثيين" الذين تضر تحركاتهم في البحر الأحمر وبحر العرب بحركة الملاحة عبر قناة السويس إحدى أهم مصادر الدخل القومي المصري؟
وفي حال توسّعت الحرب هل سيقف لبنان الرسمي مع المقاومة؟ أم أنّ بقية المكوّنات اللبنانية ستعتبر ذلك وقوفا مع "حزب الله" خصمها الداخلي؟
والنظام السوري المحسوب أساسا على "محور الممانعة"، هل سيعلن إنضمامه إلى المواجهة صراحة، أم أنّه سينتظر الضوء الأخضر من حليفه وصمام أمانه الروسي!
وماذا عن "السلطة الوطنية الفلسطينية"؟ هل ستسمر في مطالبتها بـ "الحماية الدولية" بدلا من نهج المقاومة المسلّحة؟ وهل ستكون هذه السلطة ومواقفها الذريعة التي ستتذرّع بها بقية الأنظمة العربية لعدم الوقوف مع المقاومة باعتبار أنّ هذه السلطة هي المُمثل "الشرعي" و"الوحيد" للشعب الفلسطيني؟
مثل هذه الأسئلة والاعتبارات يمكن طرحها إزاء مواقف بقية الأنظمة العربية كلّ نظام حسب خصوصية حالته وموقعه من الصراع والمعادلات الإقليمية والدولية.
والمؤسف أنّ هذا الصراع يجري، وهذه الأسئلة تُطرح، في سياق أصبحت فيه مفاهيم مثل "التضامن العربي" و"الجبهة العربية الموحّدة" و"المستقبل المشترك" و"وحدة المصير".. مفاهيما غابرة وطي النسيان!
المعضلة الأكبر التي تواجهها الأنظمة العربية ليست الإجابة صراحة على الأسئلة أعلاه، ولكن المعضلة هي أنّ التجربة التاريخية تخبرنا وتخبرها أنّه متى وقعت الفاس بالراس فلا يعود هناك أساسا مجال لإعطاء إجابات "صحيحة" على مثل هذه الأسئلة!
فإذا وقفتْ هذه الأنظمة مع "المقاومة"، فإنّها ستفقد الدعم والغطاء الأميركي والغربي الذي يبتزّها باسم "الشرعية" و"الديمقراطية" و"الإرهاب" و"النزاهة" و"حقوق الإنسان" و"المساعدات" وحتى مصروف الجيب!
وإذا وقفتْ هذه الأنظمة مع الحليف الأميركي، فإنّ هذا الحليف نفسه سرعان ما سيبادر للانقلاب عليها متى أُنجزت المهمة، وسيستبدلها بأنظمة و/ أو وجوه جديدة، باعتبار أنّ الوجوه القديمة قد استنفدت وظيفتها وأصبحت أوراقا محروقة وعبئا سياسيا ودعائيا ينبغي التخلص منه.. والأمثلة على ذلك كثيرة!
هناك مَن أطلق على الحرب الحالية ضد غزّة والشعب الفلسطيني اسم "الكاشفة" لأنّها تكشف الوجوه والمواقف.. ويمكن أن يضاف إلى هذا الوصف اسم "المورِّطة" لأنّها لا تترك مجالا لأيّ طرف للتملّص من ورطته!
وللأسف الأنظمة العربية دائما هي أكبر المتورّطين والمنكشفين على حساب مستقبل دولها وشعوبها.. وذلك لحساب مصالح الآخرين الكبرى وحروب نفوذهم وهيمنتهم الدولية العابرة للحدود والقوميّات، وأملا بالخلاص الفردي على حساب البقية!