الأنظمة العربية: باب التوبة ما زال مفتوحا لاغتنام الفرصة التاريخية!
كتب كمال ميرزا -
الأنظمة العربية، باستثناء اليمن، رَفَعَتْ يدها عن المقاومة وأهل غزّة منذ اليوم الأول!
هل هذا حكم مُجحف بحق الأنظمة العربية؟!
ولا نظام عربي لغاية الآن أعلن الحرب على الكيان الصهيوني بسبب مخطط الإبادة والتهجير الذي ينفّذه بحق الشعب الفلسطيني، مرّة أخرى باستثناء اليمن.
ولا نظام عربي لغاية الآن هدّد بإعلان الحرب على الكيان الصهيوني ما لم يتوقّف الكيان الصهيوني عن حربه وجرائمه.
ولا نظام عربي لغاية الآن اعترف صراحة ورسميا بفصائل المقاومة الفلسطينية كحركات تحرّر وطني مشروعة.
ولا نظام عربي لغاية الآن ألغى معاهداته وقطع علاقاته مع الكيان الصهيوني.
ولا نظام عربي لغاية الآن أوقف التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني، بل منها مَن زاد هذا التبادل لتعويض حاجة الكيان.
ولا نظام عربي لغاية الآن قام بكسر الحصار من طرف واحد من خلال فتح المعابر عنوة، أو تسيير أساطيل بحرية، أو إنشاء جسر جوي لإيصال المساعدات إلى أهالي غزّة المحاصرين مباشرة.. وذلك تحت طائلة إعلان الحرب في حال عارض الكيان الصهيوني أو تعرّض لأيّ من فرق الإغاثة العربية.
غير الإدانة والشجب والاستنكار والتنديد والتحذير.. ماذا طال أهالي غزّة من الأنظمة العربية لغاية الآن؟!
هذا التخاذل تمّت ترجمته رسميا وبموجب موقف موّحد من خلال القمة العربية والإسلامية المشتركة التي لم تتضمن قراراتها فعليّا أيّ شيء يُذكر، ولم تفضِ عمليّا إلى أيّ شيء يُذكر!
الفرق الوحيد أنّ بعض الأنظمة كانت بحاجة في البدايات إلى تمويه تنصّلها بشيء من الخطابة المنمّقة والإنشاء المُبهرَج من أجل احتواء عواطف الناس وغضبهم وانفعالاتهم.
ولكن الآن، بعد أن تطاول الأمد بالناس واعتادوا وملّوا، وبعد أن أصبح القصف والنسف والقتل والدمار جزءا روتينيا من يوميات الحرب، وبعد أن تمّ إدخال النَفَس الطائفي والجهوي ضمن النقاشات العامّة الدائرة.. ما عادت الأنظمة العربية معنية بتنميق وبهرجة إنشائها، بل ما عادت معنية بالكلام أساسا، وإذا تكلّمت فبشكل مقتضب ورفعا للعتب ومن فوق الجوزة!
الشيء الوحيد الذي تقوم به الأنظمة العربية حاليا هو الانشغال وإشغال الناس بكلّ الحديث واللغط الدائر حول ترتيبات "ما بعد الحرب" بينما الإبادة مستمرّة ومتواصلة على قدم وساق.. وهذا بحدّ ذاته ضرب من الإلهاء وشراء الوقت يتيح للكيان الصهيوني الاستمرار بجرائمه لحين إنجاز مهمته القذرة، وهذا ضرب من الاستنزاف للمقاومة وحاضنتها الشعبية، وهذا ضرب من الابتزاز باعتباره تفاوض تحت النار والتجويع والتعطيش!
يبدو أنّ بُغض الأنظمة العربية للمقاومة هو أكبر من حبّها وحميّتها وغيرتها على أهل غزّة، ويبدو أنّ القضاء على المقاومة هو هدف قادر على توحيد الفرقاء أكثر من روابط الدم والتاريخ وقيم العروبة والدين التي يُفترض أنّها تربط الأنظمة العربية بأهل غزّة!
يوما بعد يوم، يزداد تصالح الأنظمة العربية مع تخاذلها، وتزداد صراحتها في التعبير عن مكنوناتها، حتى لو كان الثمن هو "الإبادة" و"التهجير" كأمر واقع، ثم ابتزاز الفلسطينيين تاليا بسيف هذا الأمر الواقع!
رُفعتّ الأقلام وجفّت الصحف بالنسبة للأنظمة العربية، ولكن ليست صحف الواجب القومي والديني والأخلاقي، وإنّما صحف اتفاقيات واستثمارات وعقود وسمسرات مشاريع "السلام الاقتصادي" الموعود التي ستقام على رفات غزّة وأشلاء أبنائها!
النقطة الوحيدة في صالح الأنظمة العربية أنّه طالما أهل غزّة صامدون والمقاومة بعافيتها فإنّ باب التوبة وتعويض ما فات يبقى مفتوحا.. فهل ستغتنم الأنظمة هذه الفرصة التاريخية قبل فوات الأوان؟