"الأونروا" والفرص العربية الضائعة!
لقد كان "طوفان الأقصى" لغاية الآن سيلا متصلا من الفرص السانحة التي أهدرتها الأنظمة العربية، خاصة تلك التي توصف بـ "الاعتدال".
فالمقاومة قد منحت الأنظمة العربية في (7) أكتوبر فرصة تاريخية من الصعب أن تتكرر للانقضاض على الكيان الصهيوني انقضاضة رجل واحد، والتخلّص نهائيا منه ومن "التهديد الوجودي" الذي يمثله لجميع الدول العربية، وفرض أمر واقع جديد أمام الدول الغربية وسائر المنظومة الدولية.. ولكن الأنظمة العربية ببساطة قد فرّطت بهذه الفرصة!
و"طوفان الأقصى" قد منح الأنظمة العربية فرصة لإعادة موضعة نفسها على خارطة التحالفات والتجاذبات الدولية في ضوء التغيرات المتسارعة التي تشهدها موازين القوى في العالم، أو على الأقل تحسين موقفها التفاوضي ضمن منظومة تحالفاتها وانحيازاتها الحالية.. ولكن مرّة أخرى الدول العربية تصرّ على عدم اغتنام مثل هذه الفرص.
و"طوفان الأقصى" قد منح الأنظمة العربية فرصة لـ "تبييض" صفحتها و"ترميم" شرعيتها و/ أو إعادة إنتاج هذه الشرعية، وذلك من خلال اتخاذ مواقف حقيقية تنحاز إلى صف الإرادة الشعبية، وتناصر المقاومة الفلسطينية والحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني بشكل عملي حقيقي ملموس، كما فعل اليمن، وليس مجرد الاختباء وراء تصريحات رنانة وإنشاء منمّق وحمّال أوجه يخلو من أي مفاعيل حقيقة على الأرض.
ومع تواصل حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني بدعم أميركي وغربي مفتوح، ها هي فرصة جديدة تلوح للأنظمة العربية من خلال الحرب التي تشنّها أميركا ومعسكرها على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وذلك كجزء من مخطط الإبادة والتهجير وإجهاض حق العودة وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
فبدلا من الشجب والندب والتباكي، تستطيع الأنظمة العربية القبض على اللحظة، وتحويل التحدّي إلى فرصة، وذلك من خلال جعل "الأونروا" نفسها أو استبدالها بوكالة عربية (أو إسلامية) لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، يتحكّمون هم بها، ويمتلكون هم ناصية قرارها، دون إغلاق الباب أمام بقية دول العالم التي ترغب بالاستمرار في واجبها الأخلاقي والإنساني ودعم هذه الوكالة.
وما تهدره الدول العربية سنويا على أوجه إنفاق غير ذات أولوية، مثل استضافة البطولات والأحداث الرياضية العالمية، أو شراء مظاهر الحضارة وقشورها، يتيح لها الانفاق على عشر وكالات مثل "الاونروا" دون الحاجة إلى منيّة أميركا وأخواتها.
مثل هذه الخطوة ستزيد من مكانة الدول العربية وثقلها النوعي على الخارطة الدولية، وستعزز من قدرتها على الوقوف بحانب الشعب الفلسطيني ودعم صموده وكفاحه، وستمثّل خطوة باتجاه التخلّص من علاقات الهيمنة والتبعية الماثلة داخل الأمم المتحدة والهيئات الأممية المنبثقة عنها، والتي أنشأتها الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية من أجل الحفاظ على مصالحها ونفوذها في ظل مرحلة الاستعمار غير المباشر الجديدة.
ولكن للأسف أغلب الظن أنّ الأنظمة العربية لن تغتنم هذه الفرصة أيضا، فمنذ انطلاقة "طوفان الأقصى" وهذه الأنظمة تُظهر تفانيا كبيرا أمام "الحليف" الأميركي و"الوليف" الإسرائيلي لكي تثبت لهما أنّها أنظمة "مؤدبة"، و"مخلصة"، وحاشا لله أن تفكر باستغلال الظرف الصعب من أجل تغيير "شروط العلاقة" التي تربطها بأميركا والكيان حتى وإن كانت هذه العلاقة غير متكافئة وباتجاه واحد!
والذي يحزّ في النفس أكثر أنّ هذه الأنظمة العربية لا تُظهر نفس الإخلاص والتفاني تجاه الشعب الفلسطيني ومقاومته!
نظريا، جميع الفرص أعلاه وغيرها الكثير ما تزال سانحة ومتاحة وممكنة أمام الأنظمة العربية المعنية، فهل ستصحو هذه الأنظمة ولو متأخّرا وتغتنم هذه الفرص، أم أنّها ستكابر وتعاند وتصر على تبعيّتها وأدوارها الوظيفية وخروجها الطوعي من التاريخ؟!