عاجل - تفاديا لتفرّد وزراء التربية.. مساد يقترح "مجلس أعلى للنظام التربوي"



كتب الدكتور محمود المساد * 

الإنسان هو رأس المال البشري، وأغلى ما يملكه الوطن. وعلى أكتافه، وإعمال فكره، وثمرة جهده، وصدق انتمائه تنهض قطاعات المجتمع كافة.

لا أتبنى القول الشائع الذي يتردد على ألسنة الكثير من الناس، أو بعضهم: " الأردن أولا "، كون أن الدولة/ الوطن لا بديل له على مرّ العصور. ولا أعرف، أو أتوقع أن عاقلا استبدل وطنه، أو قفز عليه، كان مرتاحا، أو شعر بطعم الكرامة الأصيلة، حتى لو كان ذلك من باب وضعه على رأس سلَّم الأولويات الوطنية، أي بما يعني الاهتمام به والانتماء إليه، وتقديم مصالحه العليا على المصالح الشخصية. لكني أقول بأن الدولة الساعية دوما للتقدم على ساحة الإنجاز، والتفوق المحلي والعالمي قولا وعملا، هي الدولة التي تضع التعليم على رأس سلَّم أولوياتها بصورة مستمرة لا تجزئة فيها. ومن يؤخر وضعه إلى الترتيب الثاني، أو الثالث، أو ……العاشر لغاية في نفس يعقوب كما يُقال، فمن السهولة بمكان، يكون قادرا على العبث بمصالح الدولة العليا، فيسهل عليه آنذاك أن يغامر بالقفز على الوطن، عن طيب خاطر، ورضا نفس، ومن دون أن يشعر بعقاب ضمير.

فالتعليم هو أداة الدولة؛ لأنه هو الذي يقوم على إعداد أبنائها إعدادا سليما، وذلك بتمكينهم بالمعرفة من أوسع أبوابها، وتزويدهم بمنظومة القيم الهادفة، وتدريبهم على المهارات البانية التي تريدها لهم: شكلاً، ولونا، ومضمونا، هذا إن أرادت لنفسها أن تكون دولة مستقلة، تتمتع بسيادة قانونية ذات شأن كبير على المستوى السياسي والاقتصادي والعلمي، وتكون قادرة على أن تصنع لنفسها القوة والازدهار، ولشعبها الحرية، والكرامة والعدل. ولكن الدولة - أي دولة - إن أسندت لغيرها هذه الحقوق أو بعضا منها، وقدمت الآخر الذي قد لا يستحق، على نفسها في استغلال هذه الأداة المُهمّة/ التعليم، فإن ذلك بالضرورة سيترتب عليها العبث في تلويث فكر أجيالها، وتهشيم قيمهم، وإعادة توجيه اتجاهاتهم نحو غايات غير الغايات الهادفة التي يريدها الوطن. وعندها، تكون قد وضعتهم هم ووطنهم على حدّ سواء على طاولة التمييع، واللاأبالية، وعدم الإحساس بواجب المسؤولية، فينسلخ عنهم روح الانتماء، والشعور بالواجب... وهنا يتأتى الضياع وما يترتب عليه من مخاطر.

ولمّا كان التعليم حاجة ضرورية لكل فرد في المجتمع، وحاجة مجتمعية مستدامة للتنمية والتطور والتفوق، فإن صناعة السياسات التي تقوده، وتوجه عملياته، لا بد أن تتخذ على مستوى الوطن، وعن طريق حوارات وطنية كي يرضى عنها المجتمع، وتلبي حاجاته، وحاجات خطط الدولة المستقبلية، وأهدافها الاستراتيجية، الأمر الذي يبعد التفرد الشخصي عن هكذا قرارات وطنية، وينقاد طوعا للانغماس بروح الجماعة.

يدرك جميع أفراد المجتمع، وبالذات من تعنيه أمور النظام التربوي الذي يتكون من جميع المؤسسات الرسمية، وغير الرسمية التي تسهم بشكل مباشر، أوغير مباشر في إعداد الإنسان المتعلم وتمكينه وترميمه، وأصبح بحكم المسؤولية جزءا من صناعة القرارات أو اتخاذها، يدرك أن هناك مجالس ترسم سياساته، وتقرّ خططه ومناهجه ولو بشكل شكلي، وأن توزيع هذه المجالس على مكوّنات النظام، أو حصر أهمها في وزارة من وزارات النظام يعدُّ خطيئة تضرّ بالنظام من جهة، وتساهم في إخفاقه، وتعثره، وتفرّد شخص الوزير أي وزير في قراراته التي قد تكون في بعض الأحيان كارثية، وخطيرة على نتاجات النظام التربوي بأسره!! الأمر الذي يحتم رفع سوية المجلس الأعلى للنظام التربوي ليكون برئاسة نائب رئيس وزراء خاص بإدارة مكونات هذا النظام الرسمية وغير الرسمية التي تعنى بإعداد الإنسان الأردني الأغلى مما تملكه الدولة.

حمى الله الوطن، ويسّر للتعليم من يستحق تسيّده!!


* الكاتب مدير المركز الوطني لتطوير المناهج سابقا