عاجل - ماذا لو كانت ليان وهند طفلتان "أوكرانيتان"؟!

 
كتب كمال ميرزا -

أين سيهرب كلّ حكّام العرب والمسلمين وكلّ سكان الأرض من دماء "ليان" و"هند" نجتْ "هند" أم لم تنجُ؟!

تدور قصة الفيلم الأمريكي "وقت القتل" أو "وقت للقتل" (A Time to Kill) حول قصة فتاة سوداء البشرة عمرها (10) سنوات في ولاية ميسيسبي الجنوبية الأميركية التي تشتهر بالعنصرية.. حيث يقوم شابان أبيضان باختطافها وهي عائدة للبيت من البقالة، والتناوب على اغتصابها، وضربها، ورميها في النهر لإغراقها بعد فشلهما في قتلها شنقا.

الفتاة تنجو، ويتم القبض على الفاعلَين، ولكن نظرا لظروف القضية والتحقيق والأجواء العنصرية تنحو جميع المؤشرات باتجاه تبرئتهما وإطلاق سراحهما، فما يكون من والد الفتاة الغاضب إلا التوجّه إلى دار المحكمة، وإطلاق النار على الشابين ليرديهما قتيلين قِصاصا على فعلتيهما وانتقاما لصغيرته.

يتم القبض على الأب وإخضاعه للمحاكمة، وتتحوّل القضية إلى قضية رأي عام وسط أجواء مشحونة تهدد باندلاع صدامات وأعمال عنف بين البيض والسود.

والد الفتاة يصرّ على تكليف محامٍ أبيض للدفاع عنه سبق وأن دافع عن شقيقه في قضية ما.

وتتوالى مجريات المحاكمة مع تواصل أحداث الفيلم، ويذهب مسار القضية باتجاه يصبّ في غير مصلحة الأب بسبب العنصرية الظاهرة للقاضي وغالبية أعضاء هيئة المحلّفين والمدّعي العام صاحب الطموحات السياسية الذي يصرّ على إنزال عقوبة الإعدام بحق والد الفتاة.

في مشهد مفصليّ يسبق مشهد المحاكمة النهائي يدور حديث خاص بين المحامي وموكّله. المحامي يحاول إظهار التعاطف والودّ لوالد الفتاة، والتعبير عن أسفه بشكل مسبق بحكم أنّ مجريات المحاكمة لا تبشّر بخير.. ولكن والد الفتاة يصدم المحامي، ويخبره بما معناه أنّهما ليسا صديقين، ولا يمكن إطلاقا أن يكونا صديقين، وأنّه اختاره للدفاع عنه ليس لأنّه شخص طيب أو صالح، وإنّما اختاره لأنّه مثلهم، رجل أبيض عنصري عرف ذلك أم لم يعرف، وأنّه إذا أراد أن ينقذه من الإعدام فعليه أن يفكّر مثلهم، يفكّر كشخص أبيض عنصري كي يتوصّل إلى أفضل طريقة للتأثير بهم وبقرارهم.

وبالفعل، في المرافعة النهائية، يفاجئ المحامي جميع الحاضرين في قاعة المحكمة حين يطلب منهم إغماض أعينهم، وتخيّل فتاة صغيرة عمرها (10) سنوات يختطفها شابان يريدان اغتصابها، ثم يبدأ يسرد على مهل وبالتفصيل وبلغة مؤثّرة جميع مراحل الرعب والألم والمعاناة التي مرّت بها هذه الفتاة الصغيرة وصولا إلى لحظة العثور عليها ملقيّة، ومبّللة، وممتلئة بالرضوض والكدمات، وغارقة في دمائها وسوائل مغتصبيها، ويلّح عليهم بالتركيز أكثر، وتخيّل هذه الفتاة الملقيّة بهذه الحالة جيدا، ثم يصعق الجميع عندما يقول لهم بغتةً: والآن تخيّلوا أنّ هذه الفتاة بيضاء!

بالمثل،،

ماذا لو كانت "ليان" و"هند" طفلتان "إسرائيليتان" أو "أمريكيتان" أو حتى "أوكرانيتان"؟!

ماذا لو أتينا على جميع ضحايا حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني على أهالي غزّة، وجميع صنوف التقتيل والتنكيل والتجويع والتعطيش والحرمان والرعب التي يتعرّضون لها لحظة بلحظة ويوما بيوم، وتخيّلنا أنّ هؤلاء الرضّع أو الأطفال أو الشباب والشابات أو الآباء والأمّهات أو العجائز والكهول هم صهاينة أو بيض.. ماذا سيكون ردّ فعل العالم الغربي الديمقراطي المتحضّر؟!

ماذا لو أتينا على كلّ الجرائم والأفعال والتصرفات التي يقوم بها مسؤولو وجنود ومواطنو الكيان الصهيوني بحق أهالي غزّة، والأقوال والعبارات والألفاظ التي تصدر عنهم، وتخيّلنا أنّها جميعها تصدر عن أشخاص فلسطينيين أو عرب أو مسلمين.. ماذا سيكون ردّ فعل "الضمير العالمي" و"الشرعية الدولية"؟

حتى قطط وكلاب وحمير وبغال غزّة، كيف كان ردّ الفعل سيكون لو كانت هي الأخرى "بيضاء"!

مفارقة سريالية أنّ حضارة "الرجل الأبيض" هي أكثر حقبة سوادا في تاريخ البشرية!

بهذه اللغة وبهذا الأسلوب ينبغي علينا مخاطبة "الآخر"، لا أن نخاطبه بلغة معتقداتنا وقيمنا ومعاييرنا فهي لا تعني له شيئا، ولا مخاطبته باسم إنسانية زائفة وحقوق إنسان غير موجودة إلا على مستوى الخطاب المنمّق والعواطف المُعلّبة.

المطلوب هو تعريته أمام نفسه، ووضعه في مواجهة مرآة يرى فيها نفسه، وإلزامه حجته بينه وبين نفسه.. وعندها يعود له القرار أن يتحمّل مسؤوليته تجاه نفسه وإنسانيته المزعومة بدون نفاق ممجوح أو استعراضيّة سمجة، أو أنّ يركن إلى عنصريته الكامنة وفردانيته المقرفة وأنانيته المقيتة شأنه شأن حكّامه وقادة جيوشه وأرباب ماله وأعماله الذين يدمّرون الدول ويقوّضون المجتمعات ويستبيحون البشر باسمه وباسم حضارته الكاذبة!

"..فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" - سورة الحج.