تعليق تمويل الاونروا.. انتقائية في قراءة الوقائع وانحياز سافر وعقوبات جماعية للشعب الفلسطيني
كتب أحمد الحراسيس - اكثر من (6) مليون لاجئ فلسطيني يتوزعون على دول (فلسطين، الأردن، لبنان، سوريا) يستفيدون من خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا"، بميزانية اجمالية قُدّرت العام الماضي بـ(1.6) مليار دولار، حيث تُنفق المنظمة هذه الأموال على خدمات (التعليم، الصحة، الإغاثة، البنية التحتية) في عدة أقاليم.
وبحسب بيانات "اونروا"، فإن الانفاق على برامج "اقليم غزة" يستحوذ على نسبة (40%) من اجمالي النفقات على البرامج، يليها الانفاق على برامج "إقليم الأردن" بنسبة تقدّر بـ(20%)، ثمّ "إقليم الضفة الغربية" بنسبة (15%)، وفي المرتبة الرابعة "إقليم لبنان" (13%)، وأخيرا "إقليم سوريا" بنسبة (6%). وبالتأكيد فإن ذلك الانفاق يريح الحكومات والدول التي تنشط فيها اونروا من جزء كبير من النفقات الضرورية التي تؤمن للاجئين الفلسطينيين الحد الادنى من متطلبات الحياة الاساسية.
خلال الأيام الخمسة الماضية، أعلنت (12) دولة بقيادة الولايات المتحدة تعليق تمويل "اونروا"، وذلك استجابة لادعاء سلطات الاحتلال الصهيوني أن (12) موظفا من أصل (30) ألف موظف يعملون لدى "اونروا" قد شاركوا في عملية طوفان الأقصى، رغم الأنباء التي أشارت إلى أن هؤلاء الموظفين لم يشاركوا في العملية بل أيدوها عبر منصات التواصل الاجتماعي فقط!
قرار الدول تعليق المساعدات لاونروا لن ينعكس فقط على حياة (6) مليون فلسطيني يتواجد غالبيتهم في الأردن ولبنان وسوريا، بل سينعكس على أوضاع كافة المواطنين و المقيمين في الدول المستضيفة للاجئين ، حيث سيشكّل هذا الانقطاع في التمويل عامل ضغط على اقتصاديات هذه الدول التي تعاني أصلا أوضاعا اقتصادية سيئة للغاية.
الأهمّ والأخطر من ذلك، أن هذا القرار الذي جاء كردّ فعل غير اخلاقي و متشنّج على قرار محكمة العدل الدولية، يأتي في سياق الانتقال إلى المرحلة الثانية من حرب الإبادة على قطاع غزة والضفة الغربية، ويستهدف دفع الفلسطينيين دفعا إلى الهجرة قسرا عن أرضهم بعد الاجهاز الكامل الممنهج على كلّ مقومات الحياة في قطاع غزة المنكوب ،والغاية إغلاق ملفّ اللاجئين الفلسطينيين برمّته ووأد "حقّ العودة".
بالتأكيد لم نكن بحاجة إلى مسلسل إعلان أمريكا ومن ورائها دول (ألمانيا، فرنسا، اليابان، بريطانيا، كندا، هولندا، ايطاليا، أستراليا، سويسرا، فنلندا، اسكتلندا) تعليق تمويل "اونروا"، حتى نكتشف قبح هذا الحلف الغربي الذي يدعي احترام القانون الدولي وحقوق الانسان، الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي للعدوّ الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنّها على الأهل في قطاع غزة كان كافيا لنعرف حقيقة الانحياز الغربي لربيبته اسرائيل ، ولكن يبدو ان هذا التحالف العنصري الغربي باشر في حرق المراحل وصولا الى اهداف المشروع الصهيوني النهائية ،فها هو يسعى بقراره وقف دعم الاونروا في هذا الظرف الدقيق لابادة الشعب الفلسطيني وتبديد فرص تشبثه بارضه ، هو موت يريدون ان يحاصر ابناء قطاع غزة فمن لم يمت بالقصف مات جوعا وعطشا وبردا بحثا عن ملاذ امن يحولون دون ضمانته لهم .
اللافت أن تلك الدول التي سارعت بتبنّي الرواية الاسرائيلية بمشاركة (12) موظفا في عملية طوفان الأقصى، لم تُبدِ اي اهتمام تجاه قتل نحو (200) موظف تابع للاونروا على يد جيش الاحتلال، كما لم تُبدِ هذه الدول أي ردة فعل تجاه القصف الممنهج لدور الايواء التابعة للامم المتحدة واستهداف الاطفاء والنساء القانطين بها ، وفوق هذا وذاك تتجاهل قرار محكمة العدل الدولية الذي يؤشر بوضوح على ارتكاب سلطات الاحتلال إبادة جماعية في قطاع غزة، بل أن بعضها سارع للتقليل من اهمية هذا القرار ودلاليته .
الواقع أن الدول التي أعلنت تعليق تمويل "اونروا" تشارك فعلا في جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة، سيّما إذا ما علمنا أن أكثر من (2) مليون شخص في قطاع غزة من أصل (2.1) مليون يعتمدون على الاونروا من أجل البقاء على قيد الحياة!
من غير المعقول أن تعاقب دول العالم الشعب الفلسطيني والدول المستضيفة للاجئين الفلسطينيين بسبب مزاعم حول مشاركة (12) موظفا من أصل (30) ألف موظف في عملية طوفان الأقصى، والحقيقة أن هذه عملية مبرمجة لتصفية القضية الفلسطينية وهذا أقصى ما يمكن أن تحلم به اسرائيل.