ما بين ماشطة ابنة فرعون وتضحيات المرابطين حياة أمة ودين...
تقول الروايات أن امرأة صالحة عاشت في ظل مُلك فرعون، وكانت بمنزلة الخادمة والمربية لبناته تمشط لهن وترعاهن ولذلك سميت بماشطة بنات فرعون، وكان يعيش معها زوجها الذي كان مقربًا من فرعون، حتى قتله بعد حين؛ بعدما عرف بإسلامه، مما اضطرها إلى إخفاء إسلامها واستمرت في العمل في قصر فرعون لتنفق على أبنائها الخمسة. إلا أنه وفي يوم من الأيام، وقع المشط من يدها، وهي تمشط لأحدهن فقالت (بسم الله) ، فقالت لها الابنة: «الله أبي»، فصمتت !!! ثم رددت عليها الكلام ، وعندها لم تتمالك الماشطة نفسها حتى صاحت: «كلا، بل الله ربي، وربك، ورب أبيك». ...
وعندها ذهبت الابنة إلى أبيها لتخبره بأمر ماشطتها، فغضب فرعون لوجود من يعبد غيره في قصره، فنادى بإحضارها، وسألها: من ربك؟؟؟ فقالت: الله ربي وربك فازداد غضب فرعون، وطالبها بالرجوع عن دينها، وهددها بحبسها وتعذيبها، إلا أن الماشطة أبت أن ترتد عن الإسلام...
فأمر فرعون جنوده بإحضار قدر من نحاس، وأمر أن يملأ بالزيت، ويتم تحميته حتى يصل إلى درجة الغليان، ثم طلب إيقافها أمام القدر حتى ترى العذاب بعينيها، إلا أنها أقبلت عليه طمعا في الشهادة، وعندما شعر انها سلمت الروح والجسد الى خالقها زاد فرعون في قهرها وأراد القصاص من أبنائها، لعلمه أنهم أحب الناس إليها، فأمر بإحضار الأبناء إلى غرفة التعذيب الفرعونية، فجر الجنود أكبرهم، وهو يصيح ويستغيث بأمه، ويتوسل إلى فرعون، فألقي في الزيت، والأم تبكي، وتنظر إلى طفلها وهو يحترق، ثم نظر إليها فرعون، وأمرها بالكفر بدين الله ليعفو عن البقية، إلا أنها أبت، وتمسكت بموقفها، فازداد غضب فرعون، وأمر بالولد الثاني، وألقي في الزيت، والثالث والرابع،..
وعندما وصل الدور على الابن الرضيع، ارتجفت واشتد خوفها فأنطقه الله، وقال لها: «يا أماه، اصبري، فإنك على حق»، ثم انقطع صوته بعد أن ألقوه في القدر...
بعد ذلك، اندفع جنود فرعون نحوها، وسحبوها تجاه القدر، والتفتت لحظتئذ إلى فرعون وقالت له: «لي إليك حاجة» فرد عليها: «وما حاجتك؟» قالت: « أن تجمع عظامي، وعظام أبنائي، فتدفنها في قبر واحد» فوافق فرعون على طلبها وألقى بها الجنود في الزيت...
ما جعلني اكتب عن ذلك للتذكير بان الصبر على أفعال الله والابتلاءات والنوازل العصيبة هي العنوان الأكبر لأهل الطاعة والتقرب الى الله منذ القدم، وما كان الابتلاء إلا لرفع الدرجات وإعظام الأجور فعندما يخالط الإيمان بشاشة القلوب، ستجد في كل زمان أنموذجا استخف بالدنيا وزخرفها، بل بعتاة الكفر وجبروتهم، فصبر ورابط وعلم ان النصر والفوز مع الصبر.
نعم، لم يحفظ التاريخ اسم ماشطة بنات فرعون، لكنه حفظ فعلها، ورفع الله ذكرها، وأكرمها بجنات الخلد مع أولادها، فلما أسري برسول الله –صلى الله عليه وسلم- شم رائحتها في الجنة، وهل هنالك تكريم اجمل من ذلك على الإطلاق...
اليوم ونحن نعيش الحرب الكونية على أهلنا الصابرين في غزة الأطهار الأخيار نتذكر ما قدم أهل الإصلاح والتضحيات في سبيل الله فهم يعلموننا الدرس تلو الدرس في الصبر والمكابرة والتضحيات.
نعم علمتنا غزة ان للوطن مكانة لا يعلو عليها أحد حتى الولد والمال والنفس، علمتنا غزة درسا قاسيا في التمسك بالحقوق والصبر على تحقيقها ومهما كلف الأمر من ثمن...
علمتنا غزة ان الانغماس في ملذات الدنيا والتعلق بها لا يساوي شيئا مقابل جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين...
علمتنا غزة أن التحلي بالشجاعة والإقدام وعلو الهمة هو ديدن المجاهدين...
علمتنا غزة أن الثقة بوعد الله، واليقين الجازم بما أعده لعباده هي باب من أبواب أهلنا الصابرين المؤمنين، وان التخلص من الروح الانهزامية هي السبيل الوحيد للفوز بالجنة والعتق من النار...
علمتنا غزة وبلا شك أن ثبات أهل فلسطين هو ثبات للأمة، وأن خذلانهم خطر على الأمة في دينها ودنياها، وفي حاضرها ومستقبلها ....
علمتنا غزة ان عدالة هذه المعركة لا تحتاج الى تفسير فلا يشك في عدالتها إلا جاهل أو مكابر وعميل ...
وعلمتنا غزة أن تواطؤ الغرب على الأمة اليوم هو كحاله بالأمس وهكذا سيكون غدا، وأن عالم اليوم لا يحترم الضعيف ولا يقيم له وزنا، وليست مناظر الأشلاء والدماء التي نشاهدها كل يوم الا دليل على ذلك.