من يملك إرادة مجلس النواب ؟
كتب أحمد الحراسيس -
هل مجلس النواب "سيّد نفسه" حقّا؟! وهل يمثّل الأردنيين فعلا؟ لمَ لا نلمس انحياز البرلمان إلى قضايانا الملحّة؟ لماذا يشعر أحدنا أنه بلا حول ولا قوّة تحميه من تعسّف السلطة؟! ولماذا تستمرئ السلطة أصلا التغوّل على حقوق المواطنين؟! وكيف نفهم أن يتحرّك البرلمان بشكل حازم وسريع لحسم بعض الملفّات التي لا تؤثر على حياة الناس، ولا يتحرّك بذات الفاعلية في الملفات الحساسة؟!
بالأمس، تحرّك مجلس النواب بشكل حاسم من أجل تعديل إحدى مواد قانون الانتخاب الذي لم يمضِ على إقراره عامان ويُفترض أنه خضع للبحث والحوار الوطني الموسّع كما زعم المجلس نفسه لدى إقرار القانون. المهم أن عملية تعديل المادة موضع الحديث استغرق منذ تقديم المذكرة النيابية التي تطلب إعادة فتح القانون للتعديل وإقراره نحو أسبوعين فقط، شملت استعراض المذكرة النيابية وموقف اللجنة القانونية منها، وإرسال المقترح إلى الحكومة، واستلام ردّ الحكومة ثمّ مناقشته والتصويت عليه مباشرة دون إعادته حتى إلى اللجنة القانونية!
وبعيدا عن التفسيرات والتحليلات التي ساقها النواب من أجل تبرير التعديل والموافقة عليه، والقول إنه جاء مراعاة لأوضاع "الأحزاب الوليدة" وعدم السماح للأحزاب الكبرى بالاستحواذ على مقاعد نيابية إضافية على حساب "الأحزاب الوليدة". وبعيدا عن الآراء التي تقول إن إعادة فتح القانون الأهم في المنظومة السياسية يؤكد أن النواب "سلق تشريعات المنظومة السياسية سلقا". فقد كان مفاجئا تقديم هذا المقترح دون سابق إنذار واقراره بهذه السرعة، فلم نعتد على المجلس أن يأخذ موقفا أو يُجمع على تعديل قانون بكلّ هذه السهولة والسرعة والحسم، خاصة وأن لدينا تجارب ماثلة في تهميش المذكرات والمطالب النيابية التي تتعلّق بمصالح المواطنين ومواقفهم.
وفي هذا السياق، نشير إلى قرار مجلس النواب بأغلبية ساحقة في 13 تشرين ثاني 2023 (قبل ثلاثة أشهر) والمتمضن إحالة الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني إلى اللجنة القانونية من أجل مراجعتها وتقديم توصيات حولها "خلال أسبوع". لكن ثلاثة أشهر مضت، دون أن يحدث شيء! والأنباء تؤكد عدم عقد اللجنة القانونية أي اجتماع بهذا الخصوص. فهل المجلس "سيّد نفسه" فعلا؟!
كما نشير إلى المذكرة والمطالب النيابية العديدة المتعلقة بإعادة النظر في نظام صندوق دعم الطالب الجامعي، فهذه القضية تؤثر وتضرّ بنحو (30) ألف أسرة أردنية حُرم أبناؤها من المنافسة على المنح والقروض الجامعية. لكن مجلس النواب الذي انتفض من أجل تعديل مادة في قانون الانتخاب لم يحرّك ساكنا تجاه نظام يمسّ ويهدد مستقبل عشرات آلاف الطلبة وعائلاتهم! ألا يُفترض أن هذا المجلس للشعب؟! أليس المجلس "سيّد نفسه"؟!!
ثمّ ماذا عن ملفّ الاعفاءات الطبية التي يشكو غالبية النواب من تضييق الحكومة عليهم فيها؟! هذا أمرٌ يتعلّق بصحة الناس وحياتهم، لماذا لم نجد كلّ هذا الحسم والحماس الذي أبداه رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي من أجل انهاء معاناة الناس للحصول على اعفاء طبي؟! ماذا عن موقف النواب من ارتفاع أسعار السلع وثبات مستوى دخول المواطنين حتى تآكلت؟ أين حزم النواب تجاه الأموال المهدورة التي تظهرها تقارير ديوان المحاسبة؟
ما يمكننا تأكيده، أن مصلحة الأوطان ومصلحة الشعوب لا تكون من خلال استئثار السلطة على كلّ شيء، وأن السلطة التي ترفض وجود الآخر وترفض تقاسم الصلاحيات وتعتقد أنها "ظلّ الله على الأرض" رغم كلّ فشلها في تحقيق الرفاه والازدهار للمجتمع إنما تعكس عقلية غير سويّة. ومن غير المعقول أن تستحوذ السلطة على كلّ شيء دون النظر لمصلحة الشعب، هذا الضيق يضرّ بمصلحة الوطن والمواطن..