عاجل - ما الذي تغيّر بعد (130) يوما؟ الإبادة مستمرة.. والدبلوماسية المسرحية متواصلة!
كتب كمال ميرزا -
كلّ التصريحات حول العملية العسكرية الصهيونية المُزمعة في رفح (وكأنّ العملية لم تبدأ بعد أو قد توقفت للحظة!)، بماذا تختلف عن نفس النهج المُخادع والمُضلل الذي يتّبعه الجميع منذ بدء حرب الإبادة والتهجير التي يشنها الكيان الصهيوني على أهالي غزّة؟!
منذ اليوم الأول كلام بلا أفعال.. الكلّ يرفضون.. الكلّ يحذّرون.. الكلّ يشددون.. الكلّ يشجبون.. الكل يدينون.. ولا شيء يتغيّر على أرض الواقع!
مخطط إعادة احتلال غزّة، وطرد سكانها، وسلب غازها ومقدّراتها، وتهيئة الأرض لمشاريع السلام الاقتصادي القادم.. كلّ ذلك يسير على قدم وساق بتواطؤ من "الشركاء" الإقليميين والدوليين.
والقضاء على المقاومة "هدف مشترك" للقريب قبل البعيد، و"الشقيق" قبل العدو.
الحراك الدبلوماسي المسرحي، والبعبعات والجعجعات، ولغط التصريحات وجدلها عبر وسائل الإعلام.. كلّ ذلك استمرار لنفس الأسلوب الدعائي الممجوج والرخيص الذي يهدف إلى:
- البرمجة الاستباقية لعقول ووجدان الناس، وتصوير المجازر القادمة في رفح باعتبارها "تحصيل حاصل" وقدرا لا مفرّ منه.
- تعزيز فكرة أنّ الكيان الصهيوني هو ثور غاضب وهائج، ولا أحد (يا حرام) يمتلك وسيلة لتهدئته أو لجمه أو تقييد حركته.
- إعطاء الدول العربية المتواطئة مع الكيان الصهيوني، والمتخاذلة عن نُصرة غزّة، حجة للتنصل من مسؤولياتها، وسقوطها القومي والديني والأخلاقي.. فلقد حذرنا وشجبنا وأدنّا ولكن أحد لم يستمع لكلامنا.. وكأنّ هذا أقصى ما تستطيعه هذه الدول وأقصى ما هو مطلوب منها!
- محو جرائم الكيان الصهيوني أولا بأولا، وكأنّ كلّ ما فات قد فات، وأنّ القضية الآن قد أصبحت قضية رفح فقط!
- لفت الأنظار وتشتيت الانتباه عن واقع الحال في بقية مناطق غزّة، بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها.. حيث المجازر مستمرة على قدم وساق، والتجويع والتعطيش مستمرين على قدم وساق، ومسح غزّة حرفيا عن الخريطة مستمر على قدم وساق.
- فرض "التهجير" كأمر واقع باعتباره "الحل العملي" الوحيد القابل للتطبيق من أجل إنقاذ حياة أهالي القطاع الذين تم حشرهم وتجميعهم وفق سياسية ممنهجة ومقصودة في رفح تمهيدا لهذه اللحظة.. فشمال القطاع مدمّر ومحاصر وفيه مجاعة وعطش ويفتقر لأبسط مقوّمات الحياة.. فأين سيذهب كلّ هؤلاء؟!
بالنسبة لمصر تحديدا، والإجراءات التي بدأت باتخاذها مؤخّرا على جانبها من الحدود تدعيما لموقفها الظاهري ضد التهجير إلى سيناء.. فالمسألة هيّنة:
أولا، كجزء من سياسة الأمر الواقع التي تواطأ الجميع معها، سيصبح التهجير مطلبا شعبيا وإنسانيا مُلحّا، وعندها سيكون فتح مصر لحدودها هي "مأثرة" تسجّل لها وليس "مثلبة" تسجّل ضدّها، تماما كما أنّ هناك دولا عربية أخرى تحاول حاليا ضمن نفس السياق تصوير "تطبيعها" مع الكيان الصهيوني باعتباره حركة بطولية تُقدم عليها من أجل دعم حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الوطنية!
ثانيا، يمكن عند الضرورة افتعال صدامات محسوبة ومحصورة بين قوات صهيونية ومصرية من أجل حفظ ماء الوجه، وعندها ستهرع القوى الدولية والمجتمع الدولي إلى احتواء الموقف ونزع فتيل الأزمة قبل أن تتطوّر وتتفاقم إلى حرب إقليمية، وفي هذه الأثناء يكون التهجير إلى سيناء قد تمّ فرضه كأمر واقع (وبعدها فليتفاوض المتفاوضون كما يشاؤون).
ثالثا، حتى في حال جديّة مصر في ممانعتها وإصرارها على موقفها، يمكن ببساطة إحراجها وابتزازها من خلال قيام الكيان الصهيوني بنقب الحدود (أو قيام قبائل سيناء من طرفها بنقب الحدود)، وفتح ممرات يندفع عبرها أهالي غزّة الهاربين من الموت والمجاعة والأمراض (ولا أحد يستطيع أن يلومهم ويُزاود عليهم)، وعندها لن تُقدم القوات المصرية بطبيعة الحال على فتح نيرانها على جموع الفلسطينيين، وسيصبح التهجير أمرا واقعا (ومرّة أخرى من هنا فليتفاوض المتفاوضون)!
خلاصة الكلام، الوضع الحالي هو حصيلة النهج الذي تعامل به الجميع وتواطأ معه الجميع منذ اليوم الأول، والفرق أنّ جميع الأطراف قد أصبحت أكثر راحة وجرأة ووقاحة في لعب أدوارها والإفصاح عن مكنوناتها، مستغلين أنّ الناس قد تطاول عليهم الأمد، وملّوا، واعتادوا، وأهمّتهم أنفسهم ومقتضيات عيشهم وشؤونهم الخاصة، وأصبحوا يريدون نهاية، أي نهاية، لما يجري، وأخلوا الساحة للهوام والجرذان التي بدأت تخرج من جحورها، وتبثّ سمومها وفتنها باسم الانتماءات الجهوية والوطنية والطائفية.
وحدها المقاومة، ووحدهم أهالي غزّة، هم الذين لم يبدّلوا تبديلا حتى هذه اللحظة، وهذا للأسف، من أهم أسباب تراكم غيظ وحقد المتخاذلين والمتآمرين والأعراب ضدهم!
ما الذي تغيّر؟ لا شيء! الصامد بقي صامدا، والخنزير ازداد خنزرةً!