عاجل يا نشامى "البطولة" لم تنتهِ بعد!
كتب: كمال ميرزا
ها قد انفعلنا نحن الأردنيون وتفاعلنا، وغضبنا وفرحنا، وناقشنا وحلّلنا، واستأنا ورضينا.. ونحن نتابع بشغف وحماس على مدار أيام وليالٍ مسيرة منتخبنا الوطني الحبيب في "كأس آسيا" بقطر، وصولا إلى تحقيق "الإنجاز" التاريخي ببلوغ المباراة النهائية.
الكثيرون حاولوا انتقاد هذا الاهتمام والاحتفاء والاحتفال "المبالغ فيه" بحدّ زعمهم بـ "الفطبول".. بينما الأشقّاء في غزّة يتعرّضون لحرب إبادة وتهجير ممنهجة على يد الكيان الصهيوني المحتل.
حسنا، لا داعي لكل هذا التشنج، ولا داعي للتفكير بالمسألة بطريقة ضديّة على طريقة "يا طخّه يا اكسر مخّه"، وجعل ابتهاجنا كأردنيين بمنتخبنا في مواجهة أو ضد أو نقيض وقوفنا مع أهل غزّة!
فلنأخذ الأمور بحسن نيّة، ونقول أنّ المسألة هنا أشبه بالقول العربي المأثور: "اليوم خمر وغدا أمر"، وها قد "ذهبت السكرة وأتت الفكرة" كما يقولون، والعبرة فيما سنفعله تاليا؟!
"مسابقة" آسيا قد انتهت، ولكن "البطولة" لم تنتهِ بعد، هي مستمرة ومحتدمة الآن في قطاع غزة وثرى فلسطين الطاهر على يد الأهالي الصامدين المرابطين وأبنائهم المقاومين.. فأين نحن "نشامى" الأردن من إخواننا "نشامى" فلسطين؟
لا يُكلّف الله نفسا إلا وسعها، لذا ليس مطلوبا منّا كأردنيين أنّ نبذل أكثر مما كنّا على استعداد لبذله من أجل مسابقة كرة قدم.
إذا كانت استطاعتنا تتيح لنا تخصيص (90) دقيقة من وقتنا لمتابعة مباراة كرّة قدم كلّ يومين أو ثلاثة أيام، فالمتوقع منّا أن نستطيع تخصيص (90) دقيقة من وقتنا كلّ أسبوع على الأقل من أجل غزّة.
ولكلّ شخص حرية اختيار الطريقة التي سيكرّس فيها هذه الـ (90) دقيقة: قراءة القرآن، الدعاء، قيام الليل والتهجّد، جمع أطفال العائلة والحديث إليهم عن فلسطين، قراءة كتاب عن التاريخ الحقيقي للصراع والقضية.. أيّ شيء طالما "النية" و"الإخلاص" متوافرين.
وحتى لا نشقّ على أنفسنا يمكن تقسيم هذه الـ (90) دقيقة إلى شوطين أول وثاني مع استراحة بينهما، بل إلى أربعة أشواط إذا رغبنا على غرار مباريات كرة السلّة.
وإذا كانت استطاعتنا تتيح لنا الخروج إلى الشوارع والاحتفال بنتيجة مباراة، فلنخرج بنفس الطريقة من أجل غزّة، وليبقَ خروجنا "احتفالا" كما هو، وليس مظاهرة أو اعتصاما أو سلسلة بشرية لا سمح الله، احتفالا ملؤه "المهاهاة" و"الزغاريد" وليس الهتافات والشعارات التي تقلق الراحة وتنغّص المزاج، احتفالا بآخر كوكبة من الشهداء الذين ارتقوا إلى السماء وتمّ زفّهم إلى الجنّة مثلا، ألن يكون هذا "عرسا وطنيا" حقيقيا؟
وإذا كانت السلطات وأجهزة الدولة تستطيع تنظيم فعاليات كبرى للاحتفاء بإنجازات منتخبنا الحبيب والتحشيد لهذه الفعاليات، ألا تستطيع تنظيم فعاليات كبرى مشابهة بنفس الزخم من أجل فلسطين الحبيبة؟
الحديث هنا ليس عن فعاليات من أجل قطع العلاقات الكامل مع الكيان الصهيوني وإلغاء المعاهدات والاتفاقيات الموقّعة معه، أو لوقف الجسر البرّي وتصدير الخضراوات للكيان، أو ضد تواجد قوات أجنبية على ثرى الأردن تحت أي صيغة من الصيغ.. فحاشا لله أن نرضى كمواطنين بإحراج سلطاتنا وأصحاب قرارنا ودولتنا أمام حلفائها وأصدقائها وداعميها ومانحيها الإقليميين والدوليين.
الحديث هنا عن فعاليات لا تخرج عن إطار ثوابت الدولة الأردنية وخياراتها الإستراتيجية.
ألسنا في الأردن مثلا أوصياء على "المسجد الأقصى" المبارك؟ فلتكن الفعالية مخصّصة للمسجد الأقصى المحاصر والمحروم من مصليه منذ أشهر.. دون الإتيان من قريب أو بعيد على ذكر غزّة والمقاومة والإبادة والتهجير والفصل العنصري والتطهير العرقي.
والفعالية التالية يمكن أن تكون للتعبير عن تأييد الأردن للتدابير التي قرّرتها محكمة العدل العليا في الدعوى المرفوعة من قبل "جنوب إفريقيا" إزاء ما يحدث في غزّة، والاستعداد الذي أبداه الأردن للترافع ضمن مجريات هذه المحاكمة.
والفعالية التي تليها من أجل حلّ الدولتين الذي يتبناه ويؤيّده ويصرّ عليه الأردن.. وهكذا دواليك.
مرّة أخرى، المطلوب منّا كنشامى أن نواصل ما بدأناه مع منتخبنا الحبيب، وأن نُبدي تجاه "بطولة" أشقائنا في غزّة نفس الاهتمام ونفس والانفعال ونفس الوقت ونفس الجهد الذي أبديناه تجاه مسابقة لكرة القدم.. لا أكثر ولا أقل!
أمّا إذا شعر أحدنا أنّ هذا مطلب صعب وفوق طاقته وتحمّله واستيعابه، فأظنّ أنّ هذا الشخص بحاجة لمراجعة منظومة قيمه وأفكاره ومعتقداته الوطنية والقومية والدينية، ومراجعة مفهومه الشخصي لأن يكون المرء "نشميّا"!