ما المدة المثالية للإجازات وكيف تقضيها؟
في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في عام 1910، ذكر الرئيس الأميركي، حينها، ويليام تافت، أن أي إجازة لمدة 10 أيام أو أسبوعين ليست كافية، وأن الشخص العامل يحتاج إلى إجازة لمدة شهرين أو 3 أشهر لمواصلة العمل في العام المقبل بطاقة وفاعلية.
منذ ذلك الوقت، توالت المناقشات حول أهمية الإجازات، ومقدار الفوائد التي تعود على الشخص وعلى العمل، لكن السؤال الأكثر حاجة إلى إجابة هو المدة المثالية للإجازة؟
في عام 2012، أجرى باحثون، في جامعة تامبيري الفنلندية، دراسة لقياس مستويات التوتر المرتبطة بالعمل لدى المشاركين خلال إجازاتهم، وخلصت الدراسة إلى أن صحة الشخص ورفاهيته تبلغ ذروتها في اليوم الثامن من العطلة.
وعلى الرغم من أن الدراسة التي نشرت في مجلة دراسات السعادة، توصلت إلى أن مستويات الرفاهية لدى المشاركين ارتفعت مبكرا وبلغت ذروتها في اليوم الثامن من الابتعاد عن العمل، خلصت، أيضا، إلى أن الـ8 أيام، ليست المدة المثالية للإجازة.
واعتبرت الدراسة أن ما يزيد قليلا على أسبوع هو الوقت الكافي للتوقف عن العمل والعودة إليه بطاقة إيجابية. وأن أي إجازة أطول من 11 يوما، قد تسهم في ارتفاع نسبة القلق بشأن كمية المهام المتراكمة على الشخص.
العطلات القصيرة المتكررة أفضل من عطلة واحدة طويلة في العام (غيتي)
وقد وجدت الدراسة أن قضاء العطلة يرتبط بارتفاع مستوى الرضا عن الحياة، وتحسين الحالة المزاجية، وتقليل الشكاوى الصحية.
ومع ذلك، فإن هذه الفوائد قصيرة الأجل، حيث كشفت نتائج الدراسة، المستندة إلى عينة مكونة من 58 شخصا أخذوا إجازة لمدة 14 يوما، أن فوائد الصحة والرفاهية بلغت ذروتها في اليوم الثامن من العطلة وعادت بسرعة إلى وضعها الطبيعي في الأسبوع الأول من العودة إلى العمل.
يلفت أستاذ علم الأعصاب الإدراكي ومدير مختبر الحقائق الحضرية في جامعة واترلو في كندا، كولين إيلارد، إلى أن العطلات القصيرة المتكررة تكون أفضل من عطلة واحدة طويلة في العام. وفي حديثه مع "الجزيرة نت" يقول إيلارد إنه لا توجد صيغة واحدة تناسب الجميع، "بالنسبة للبعض، أي إجازة أقل من أسبوع ليست طويلة بما يكفي، لأنه قد يستغرق أسبوعا كاملا للوصول إلى حالة ذهنية مريحة. لكن بالنسبة للآخرين، يمكن أن تبدأ الأفكار حول العمل في التطفل بعد فترة طويلة جدا من الابتعاد عن الوظيفة، مما يجعل التجربة أقل من مجرد تصالحية".
على الرغم من ارتباط العطلة بالسفر، يُعتقد أنه من الممكن أن تكون العطلة إيجابية دون سفر (بيكسابي)
ويعتقد إيلارد أن الأمر يعتمد على نوع العمل الذي يقوم به الشخص، "إذا كان لديك نوع العمل الذي يصعب تركه لفترة، فإن العثور على طرق لإبعاد النفس عن العالم اليومي يمكن أن يكون مرهقا وقد يستغرق بعض الوقت".
ويلفت إيلارد إلى أن الاستراحة القصيرة، حتى لو كانت عطلة نهاية أسبوع "طويلة" (أكثر من يومين)، مجددة للنفس بشكل ملحوظ إذا وجد المكان والنشاط المناسب كقضاء الوقت في الطبيعة، "ولكن إذا كان الشخص يخطط لقضاء إجازة طموحة، فقد تكون الإجازة القصيرة صعبة. قد تكون الخطة الجيدة هي إيجاد توازن بين الاثنين. من المهم تضمين أكبر عدد ممكن من الإجازات القصيرة خلال العام، لكن من الضروري أيضا التخطيط لقضاء العطلة الأطول والأكثر استرخاء مرة في العام".
فوائد مختلفة
لا يمكن إنكار فوائد الإجازة أو العطلة جسديا ونفسيا على الشخص العامل، ومنها:
انخفاض مستويات التوتر: من خلال الاسترخاء والابتعاد عن ضغط العمل مما يمنح العقل والجسم فترة راحة، ويستمر الشخص في جني الفوائد الصحية حتى بعد عودته إلى العمل.
انخفاض ضغط الدم: مع تقليل مستويات التوتر في العطلة، ينخفض ضغط الدم أيضا، وبالتالي يقل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري.
تحسين الصحة البدنية: بمجرد التحرر من الضغوط يميل الشخص لممارسة هوايات أو أنشطة بعيدا عن روتين العمل، مثل المشي، والتعرض للشمس أو غيرها مما يزيد من صحته البدنية.
تحسين نوعية النوم: الاستمتاع بعطلة يمنح العقل الراحة والهدوء التي يحتاجها مما يسمح بنوم أعمق وأطول.
تحسين الإنتاجية: الاسترخاء يمكن أن ينعش العقل ويسمح بالتعامل مع المهام والمشاكل بعقلية مختلفة، والوصول إلى حلول وقرارات أدق وأوضح.
وحتى يحصل الفرد فوائد العطلة، عليه مراعاة عدد من العوامل لجعلها تساعد على تحسين الصحة العقلية والنفسية.
يذكر إيلارد أن هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن قضاء الوقت في الطبيعة مثل التخييم، أو الإقامة في كوخ، أو منتجع طبيعي يمكن أن يكون له تأثير ملحوظ على العقل.
ويقول إيلارد إن أجسادنا تتعافى من التوتر، ونستعيد قدرتنا على التركيز والتفكير بوضوح، حتى مع التعرض للطبيعة لفترة قصيرة جدا، "ولكن التعرض لفترة أطول سيؤدي إلى فوائد كبرى".
ويلفت إيلارد إلى مصطلح "البيئات الترميمية" وأهميتها للحصول على أكبر قدر من الفائدة من العطلة. يقول إيلارد إن الإطار العلمي لفهم البيئات التي تعمل على الترميم يتكون من 4 أركان:
البعد، أي الشعور بالانفصال عن الحياة اليومية.
الاتساع، أي أن يكون الشخص في مكان يحتوي على مساحة كافية، سواء كانت مادية أو مجازية لتشغيل العقل.
الاندماج اللطيف، أي الشعور بالاندماج والاهتمام بالمحيط ولكن من دون حاجة ملحة للانتباه، مثل الانتباه إلى موجات الشاطئ.
التوافق، أي أن يكون الشخص في بيئة تتناسب مع احتياجاته، "إذا كان يرغب في التأمل والهدوء، فلا يذهب إلى مدينة ترفيهية".
أجسادنا تتعافى من التوتر، ونستعيد قدرتنا على التركيز والتفكير بوضوح، حتى مع التعرض للطبيعة لفترة قصيرة جدا (غيتي)
وعلى الرغم من ارتباط العطلة بالسفر، فإن إيلارد يعتقد أنه من الممكن أن تكون العطلة إيجابية دون سفر.
ويلفت إيلارد إلى أن الكثيرين يستمتعون بـ"العطلات المحلية" لأسباب اقتصادية أو أسباب أخرى، مشددا على أن جوهر الأمر هو التقيد بالأركان الأربعة، المذكور أعلاه، للترميم قدر الإمكان، كتطبيق "البعد" عن طريق فصل الهاتف والحاسوب مثلا، والاستمتاع بـ"الاندماج اللطيف" عن طريق التخطيط لأنشطة جديدة مثل نوع جديد من الحرف.
ويقول إيلارد "بالنسبة لي، الجانب الأكثر أهمية في العطلة مهما كانت مدتها هو أن تأخذ استراحة عن الحياة اليومية، وهو ما يمكن تحقيقه بشكل إبداعي بعدة طرق مختلفة".
المصدر : الجزيرة