عاجل - أهل غزّة ليسوا جياعا.. هذا ما يحتاجونه!
كتب كمال ميرزا -
فجأة أصبح شغل وسائل الإعلام والفضاء التواصلي الشاغل أن ينقلا إلينا صور معاناة أهالي غزّة، خاصة في الشمال، من أجل الحصول على وجبة طعام أو تحصيل القليل من المؤنة.
على فَرَض أنّ الموضوع يهمكَ أساسا، عندما تجلس أمام شاشة التلفاز أو تتصفح هاتفك، وترى طوابير أو حشود أهالي غزّة الساعين وراء ما يُقيم أودهم ويصلب عودهم.. ماذا ترى؟
هل ترى شعبا جائعا؟
أم ترى شعبا صامدا؟
إذا كنتَ ترى شعبا جائعا فلا داعي لأن تتفرج وتتابع أساسا، فأولا لا خير يُرتجى منك، وثانيا أنتَ شخص "عدسك مستوي"، بمعنى الهدف من هذه السياسة الإعلامية الخبيثة والمُمنهجة متحقق لديك، وحرصك على المتابعة والتعاطف، والمتابعة والشفقة، والمتابعة والتباكي.. هو نوع من نفاق النفس، أو بلغة العلم ضرب من آلية دفاعية تُسمّى "التطهّر" تتيح لك تفريغ التناقض والتوتر والضيق الذي تشعر به داخلك، كي لا يتراكم ذلك كلّه ويتحوّل إلى دافع أو حافز أو مستثير للإتيان بفعل حقيقي ما، وكي تصبح قابلا لاستيعاب المزيد من التناقض والتوتر والضيق دون أن تنفجر بعد تفريغ خزانك من الحمولة القديمة!
أمّا إذا كنتَ ترى شعبا صامدا، فإنّ ما يحتاجه الشعب الصامد هو أن تنصره، أن تدعم صموده، أن تقوم بأفعال حقيقية أو تمتنع عن أخرى من أجله.. وليس أن تشفق وتتباكى عليه!
ثمّ أن صدمتك واندهاشك وذهولك من المشاهد أمر سمج وممجوج، فما تراه هو "تجويع" وليس جوعا، و"تعطيش" وليس عطشا، والتجويع والتعطيش شأنهما شأن الإبادة والتهجير وسائر الجرائم والموبقات هي جميعها ما يحدث منذ اليوم الأول.. فأين كانت مشاعرك الجياشة وأحاسيسك المرهفة طوال الـ (137) يوما الماضية!
مرّة ثانية ما يحتاجه أهل غزّة هو مواقف وأفعال، وليس عواطف ودموع.
بالنسبة لسؤال ماذا يمكن أن أفعل؟ وما هي حدود استطاعتي وقدرتي على القيام بشيء ما؟ فهذه مسألة أخرى، المهم أن تقتنع صادقا ومخلصا أنّه ينبغي عليك أن تفعل شيئا غير البكاء والدعاء أو حتى "السواليف".. ثمّ سؤال ماذا أفعل أو أستطيع أن أفعل يأتي تاليا وأمره هيّن!
أهل غزّة ليسوا جياعا، أهل غزّة شعب صامد، ولكنهم يريدونه جائعا، ونحن مثلهم نفضل بوعي أو دون وعي صورة الشعب الجائع على صورة الشعب الصامد، لإنّ الإقرار بصورة الشعب الصامد هو إلزام بالحجة، واعتراف بالشراكة في الجريمة، وحكم قطعي بالإدانة غير قابل للتمويه أو التجميل أو التملّص بحق كلّ الذين ساهموا في الحصار والإبادة منذ اليوم الأول، ومن جملة ذلك أولئك الذين يدعمون الكيان الصهيوني ويمّدونه بالسلاح والغطاء السياسي والصمت والتواطؤ وأتفه أسباب العيش والاستمرار ولو كانت "نكاشة ببور".
أهل غزّة ليسوا شعبا جائعا، نحن الجياع، وجوعنا لكل شيء، للحياة، للمال، للجنس، للنفاق، للتسحيج، للسلامة على القلّة، للراحة على الذلّ، لقرض ميسّر، لإعادة جدولة قرض سابق، لوجبة همبرغر، لعبوة مياه غازية، لشامبو، لحذاء بماركة يضفي علينا قيمة، لمستحضر تجميل يرقّع وجوهنا الدميمة، لتسعين دقيقة من الأدرينالين.. هذا الجوع البنيوي والجذرّي هو ما يمنعنا من نصرة أهل غزّة ولو بالتخلّي عن أتفه تفاهات نمط الحياة وروتيننا اليوميّ، أو لو بمجرد تسميّة الأشياء بمسمّياتها وإنزال الخونة والعملاء والمتواطئين منزلهم الحقيقي!
الشعب الجائع يتضوّر ويموت، ولكن الشعب الصامد يقاوم ويكابد ويجاهد ويستشهد.
صدَقَتْ الحكمة الشعبية: "يلعن أبو جوعنا"، والذي هو فرع من جوع أشخاص رفيعي المقام أصحاب قرار هم "نخبة العالم" و"مواطنوه العالميون"، وعندما ينظرون إلى الشاشة فهم لا يرون بشرا أساسا، لا جياعا ولا غير جياع، بل يرون فرصا لـ"البزنس" والاستثمارات والسمسرات والعمولات والنقود والأرصدة والمناصب والمقاعد والأدوار الوظيفية!
هؤلاء هم أسّ الجوع، جوع الجشع والفجع وانعدام الذمّة والضمير والمروءة والإنسانيّة، أمّا أهل غزّة فكيف يضيرهم جوع البطون وأعينهم ممتلئة ونفوسهم عزيزة؟!
انظر إلى أهل غزّة، إذا كنتَ ترى شعبا جائعا وليس شعبا صامدا فهذا لأنّك جائع و"عينك فارغة"!