عاجل - الكيان الصهيوني إذ يتعمّد إهانة الأردن ومصر!



كتب كمال ميرزا -

مجزرة "دوار النابلسي"، أو "مجزرة الطحين"، هي صفعة جديدة يوجّهها الكيان الصهيوني بكل غطرسة واستهزاء واستخفاف إلى المنظومة الدولية والمجتمع الدولي وجميع شعوب الأرض وأحرار العالم.

وهي إهانة مزدوجة بحق الدول العربية والإسلامية التي حتى عندما تشجب وتندب وتولول فإنّها تفعل ذلك على استحياء.

وهي إهانة ثلاثيّة بحق الأردن ومصر تحديدا في ضوء الإنزالات الجوية الأخيرة التي قام بها البلدان من أجل إغاثة أهالي غزّة!

وكأنّ لسان حال الكيان الصهيوني يقول: تريدون إيصال المساعدات؟ حسنا، هاكم ما نستطيع فعله بالناس الذين تزعمون أنّكم تريدون مساعدتهم وإغاثتهم.. فماذا أنتم فاعلون؟!

وهذا السؤال للمفارقة هو لسان حال الناس منذ حوالي (150) يوما: ماذا نحن فاعلون؟ وهل مهمتنا ومعركتنا كشعوب وأنظمة ودول عربية وإسلامية هي المساعدات ونقطة؟ أم أنّ مهمتنا ومعركتنا إزاء حياة وبقاء ومصير إخوتنا الفلسطينيين تتعدّى ذلك؟!

هم يُقتلون.. "مش مشكلة".. المهم ألاّ يُقتلوا وهم جائعون!

هم يُبادون.. "مش مشكلة".. نحن من جانبنا رمينا إليهم بالمساعدات، والباقي عليهم "يدبروا حالهم"!

ثم لماذا الإصرار على أسلوب الإنزالات الجوية؟

هل هذه رسالة ضمنية مفادها الإقرار والتسليم أنّ إغلاق المعابر وعدم السماح لمئات شاحنات الإغاثة المكدّسة بالدخول إلى أهالي غزة هي مسألة قد حُسمت وانتهى، وأنّ الحصار هو قدر صهيوني مفروض لا رجعة فيه؟!

وبعيدا عن وقعها الجميل في الأذن، وقابليتها لأن تكون مادة دعائية وإعلامية جذّابة، خاصة إذا جاءت معزّزة بالصوت والصورة ومشاركات المؤثّرين ولايكات المعجبين.. ما مدى فاعلية أسلوب الإنزالات الجوية؟!

لا إنزال ولا إنزالين ولا عشرة إنزالات في اليوم من هذا النوع تستطيع أن تفي بحاجة حوالي (700) ألف مواطن صامدين في شمال غزّة، فما بالنا بكامل القطاع!

هذا ناهيك عن الصعوبات الفنية واللوجستية وعوامل الطقس التي تعتري وتعترض هذه الطريقة في إيصال المساعدات.

وأهم من هذا وذاك، أنّ الكيان الصهيوني بات يستغل خروج الناس سعيا وراء المساعدات كمصائد وفخاخ للموت!

المطلوب إيصال المساعدات وتأمينها وليس إيصالها فقط!

إذا كانت العلاقة أو الثقل الدبلوماسي أو هامش العَشَم الذي يتمتع به كلّ من الأردن ومصر لدى الكيان الصهيوني يخوّلهما السماح لطائراتهما بالتحليق فوق أجواء فلسطين المحتلة وغزّة وأرض العمليات من أجل إنزال المساعدات الإنسانية.. فمن باب أولى استغلال هذا الثقل وهذا العشم في الضغط من أجل السماح بدخول شاحنات الإغاثة.

الأردن مثلا لديه مستشفى ميداني شمال غزّة ومستشفى آخر في الجنوب، لماذا لا يصبح المستشفيان بمثابة مركزين لاستقبال شاحنات وقوافل الإغاثة، ومن ثمّ يتولّى القائمون على هذين المستشفيين مهمة توزيع المساعدات وإعادة توجيهها بما يضمن وصولها لمستحقيها الحقيقيين؟

أيّ حجة ستبقى للكيان الصهيوني ساعتها؟ وهل يُعقل أنّ الكيان يثق بالأردن ومصر بحيث يوافق على قيام طائراتهما بالتحليق وإلقاء مساعدات لم تخضع لرقابته وتفتيشه المسبق.. ولكنه لا يثق فيهما من أجل توزيع مساعدات سبق وأن أخضعها لرقابته؟!

الإنزالات الجوية بهذه الطريقة لا تكفي حتى لو تحوّلت إلى جسر جوي، والمطلوب هو فتح جسر برّي، وحتى بحري إذا أمكن، من أجل إيصال المساعدات اللازمة والكافية إلى أهالي غزّة.. على الأقل أسوة بالكيان نفسه الذي لم تتوقف سائر أنواع وأشكال الدعم للحظة عن التدفق إليه جوّا وبرّا وبحرا منذ اليوم الأول!

يقول المثل الإنجليزي: "أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا"، وقيام الأردن ومصر أخيرا بالتعاون مع بعض الدول بتحرّك فعليّ من أجل كسر الحصار وإيصال المساعدات والمواد الإغاثية.. هو تطوّر هائل ومقدّر ومحمود.

ولكن هذه الإنزالات وفرحتنا وحفاوتنا بها لا ينبغي أن تنسينا أنّ الأصل هو كسر الحصار المفروض على إخوتنا في غزّة بالكامل..

وأنّ الأصل هو الوقف الفوري لإطلاق النار، والجرائم والمجازر الممنهجة التي تُقترف، ومحاسبة مرتكبيها..

وأنّ الأصل أن نقف كدول عربية وإسلامية إلى جانب الشعب الفلسطيني ومجهوده الحربي ضد حرب الإبادة والتهجير والتجويع والتعطيش التي يشنّها الكيان الصهيوني عليه بالوكالة.. لا أن نتصرف وكأنّنا مجرد طرف ثالث محايد، صديق لهؤلاء وصديق لهؤلاء، يكتفي بتقديم المساعدات وإطلاق المناشدات، ويحتفظ بمسافة متساوية من طرفي النزاع!

الإنزالات الجوية تطوّر مهم طالما أنّها خطوة أولى للبناء عليها، ومأثرة مهمة طالما أنّ وقوفنا إلى جانب إخواننا في غزّة لن يتوقف عندها ولن يقتصر عليها.