تصفية القضية الفلسطينية بثلاث كلمات!


كتب كمال ميرزا -

هل تذكرون القمة العربية الإسلامية المشتركة التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض؟!

مجرد الإتيان على ذكر هذه القمة بعد حوالي (150) يوما من حرب الإبادة والتهجير هو أمر سيدفع الغالبية للتهكّم والسخرية والاستخفاف: عن أي قمة تتحدث؟! عن القمة التي التأمتْ وانفضّتْ ولم تتمخض عن شيء ولم تفضِ إلى شيء؟!

لكن هذه القمة التي لم ترق لأحد.. هذه القمة التي نسيها الجميع..  هذه القمة التي لا نلقي لها بالا.. هذه القمة تكاد تكون أخطر حدث وقع منذ انطلاقة "طوفان الأقصى"!

مكمن الخطورة ليس في بيان القمة الذي اجترّ الإنشاء الاعتيادي، وليس في الحِراك الذي أعقبها واجترّ الكلاشيهات الدبلوماسية الاعتيادية، وليس حتى في حقيقة أنّ القمة قد أوصلت رسالة صريحة مفادها أنّ العرب والمسلمين لن يتدخلوا من أجل غزٌة ولو برصاصة واحدة!

مكمن الخطورة هو في تلك الكلمات الثلاث الصغيرة التي صدّرت عمّن يفترض أنّه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، والتي ألقاها على مسمع (56) دولة عربية وإسلامية أمّنتْ على كلامه:

ـ "نريد حماية دولية"!

وكأنّ القمة برمّتها لم تُعقد إلا من أجل هذه الكلمات الثلاث التي هي بمثابة "الجرثومة" الصغيرة التي زُرعتْ، والصاعق الصغير الذي تمّ دسّه لحين حلول "اللحظة المناسبة" لاستخدامه!

يستطيع الجميع أنّ "يشطّوا" وأن "ينطّوا"، وأن يُرغوا وأن يزبُدوا، وأن يبرقوا وأن يرعدوا.. ففي نهاية المطاف "الممثل الشرعي الوحيد" قد قال كلمته، والذي لا يعجبه الكلام يستطيع "تبليط البحر" أو "ضرب رأسه بالحيط"!

حتى فصائل المقاومة "لا تمتلك" حقّ الاعتراض، فهي ليست جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية، ولا أحد يعترف بها ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، ولا أحد يعترف بها أساسا كحركات تحرر وطني شرعية!

"الممثل الشرعي الوحيد" قد قال كلمته، وأي احترام لـ "سيادة" الشعب الفلسطيني وحقّه بـ "تقرير المصير" أكبر من الإذعان لرغبة وإرادة ممثله الشرعي "الوحيد"؟!

ـ "نريد حماية دولية"..

ومع استقالة حكومة "اشتية"، ومع الحديث عن حكومة تكنوقراط فلسطينية، ومع تواصل مساعي تقويض (الانروا) والاستعاضة عنها بصيغ وآليات جديدة، ومع الإمعان في توظيف ثيم المجاعة والأوبئة والكارثة الإنسانية، ومع  كلّ الجهود والواسطات والضغوطات التي تبذل من أجل التوصّل إلى هدنة قبل شهر رمضان تمثّل فيها "الضمانات" عقدة أساسية.. يبدو أنّ الوقت قد اقترب من أجل تفعيل الصاعق، ونسف ما استطاع أهالي غزّة والمقاومة مراكمته وتحقيقه بدمائهم وبطولاتهم وصمودهم طوال الأشهر الخمسة الماضية!

والخشية كلّ الخشية أنّ يكون السماح لدول عربية بعينها بأن تقوم بكسر الحصار باسم الإغاثة وتنفيذ إنزالات جويّة هي مقدمة من أجل استدراج هذه الدول والتغرير بها وبشعوبها من أجل لعب دور أكبر في غزّة، وأن تكون هذه الدول هي "الحماية الدولية" المنشودة و"الضامن" المنشود!

قد يجادل البعض أنّ ذلك أفضل، وأنّ وجود قوات عربية "شقيقة" في غزّة خير من وجود قوات أجنبية غريبة!

ولكن لا، وجود قوات حماية دولية في غزّة هو من حيث المبدأ أمر مرفوض، فذلك بمثابة إعادة إحتلال بالوكالة لقطاع غزّة، وتصفية بالوكالة للمقاومة وللقضية الفلسطينية!

وأن تكون هذه القوات عربية فتلك مسألة أخطر، فهذا قد يضع العرب في مواجهة العرب، ويضع العرب في مواجهة المقاومة، ويضع العرب في مواجهة أي انتهاك لأمن الكيان الصهيوني دون أن يكون لديهم نفس القدرة على ردع الكيان في حال كانت الانتهاكات صادرة عنه!

كما أنّ بأس العرب على العرب شديد، وفي أحيان كثيرة أشدّ للأسف من بأس عدوّهم عليهم أو بأسهم على عدوّهم!

بكلمات أخرى، توريط قوات عربية (أو إسلامية) للعب أدوار أمنية في غزّة (وربما الضفة) قد يكون مدخلا للضغط والابتزاز من أجل تصفية مقاومة العرب وقضية العرب على يد العرب!

ـ "نريد حماية دولية"!

هل يُعقل أن يُمحى ويُطمس كلّ هذا الموت والدمار بثلاث كلمات؟!