نُحب الجيش والفوتيك والعسكر..
ما زالت رائحة الفوتيك والميدان تطرق أنفاس أبي وذكرياته كلما حدثنا عن خدمته في جيشنا العربي الباسل ، وما زالت ذكريات القدس وجنين، ورام الله، وكل شبر من تراب فلسطين تُعيده إلى هناك فيمتزج الدمع بالأمل والدعاء بالفرج والنصر بعون الله...
أبي كباقي أبناء هذا الوطن الطيب ذكره ولد وترعرع وعشق وقاتل وأصيب دفاعا عن شرف الأمة وكرامة ومكانة الأردن الكبير بكل ما فيه ، نذر نفسه للجيش وهل هنالك أجمل من أن تنذر نفسك للدفاع عن الأرض والعرض،..
ما زلت أذكر كلمات أمي عليها رحمة الله عندما كنا نسألها ونحن صغار ماذا يعمل أبي ؟؟
فكان الرد منها على الدوام (ابوكوا) ضابط في الجيش وراسه دائما فوق النجوم ( تقصد الرتب العسكرية )،
لأجل ذلك رسخ حب الجيش في قلوبنا وبقيت تعاليم الضبط والربط دائما عالقه في اذهاننا الى الان،..
عن يوم تعريب قيادة الجيش تحدث أبي لنا أكثر من مرة عن ذلك اليوم ، تحدث عن فرح العسكر والشعب بذلك، قال كنا في ذلك الوقت نخدم في قصر بسمان وبعد عصر يوم الجمعة قَدِم جلالة الملك الحسين إلى القصر وكانت المرة الرابعة التي اشاهده فيها عن قرب واحدثه ويحدثني، عندها شاهدت الفرح بعيونه وعيون كل الحضور سلم علينا فردا فردا وتحدث معنا بكلمات ما زالت في مخيلتي الى اليوم ، حيث خطب فينا قائلا بفضل الله وصلابة أبناء هذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعا قررت باسمكم وأنا واحد منكم أن أقوم بتعريب قيادة الجيش ليكون سندا لوطننا الحبيب وامتنا العربية والإسلامية وأنه وبعون الله وجهود المخلصين سيبقى على ذلك ما حييت...
في كتابه مهنتي كملك يقول الملك الحسين حول قراره تعريب قيادة القوات المسلحة: كنت أرى أن علينا في حال نشوب حرب أن نؤمن دفاعنا على طول الحدود الإسرائيلية الأردنية وأن نصمد مهما كلف الأمر حتى الموت، لقد كنت من أنصار الرد الفوري، وعبثاً ومرارا شرحت كل ذلك لكلوب، فقد كان الجنرال كلوب يواصل النصح بمراعاة جانب الحكمة والحذر، وكان يحبذ تراجع قواتنا إلى الضفة الشرقية في حالة قيام هجوم إسرائيلي، وهذا يعني احتلالاً إسرائيلياً، كان ذلك غير معقول، لقد ناقشنا أنا وكلوب هذه النظريات الدفاعية خاصة وأننا علمنا بأن الذخائر كانت تنقصنا وقلت عندئذ لكلوب لماذا لا نستطيع أن نحصل على المزيد من كميات السلاح؟؟؟ ولكن لم اجد جواب عنده في كل مره !!!
ويقول جلالته في وصف التعريب والهدف منه «ولما كنت خادماً للشعب فقد كان علي أن أعطي الأردنيين مزيداً من المسؤوليات، وكان واجبي أيضاً أن أقوي ثقتهم بأنفسهم وأن أرسخ في أذهانهم روح الكرامة والكبرياء القومي لتعزز قناعتهم بمستقبل الأردن وبدوره إزاء الوطن العربي الكبير، فالظروف والشروط كانت ملائمة لإعطائهم مكاناً أكثر أهمية في تدبير وإدارة شؤون بلادهم لا سيما الجيش، ولكن على الرغم من أن كلوب كان قائداً عاماً للجيش فلم يكن بمقدوره أن ينسى إخلاصه وولاءه لانجلترا وهذا يفسر سيطرة لندن فيما يختص بشؤوننا العسكرية، وقد طلبت مراراً من الانجليز أن يدربوا مزيداً من الضباط الأردنيين القادرين على الارتقاء إلى الرتب العليا وكان البريطانيون يتجاهلون مطالبي على الدوام »..
نعم ما زال يوم تعريب قيادة الجيش العربي الأردني محطة هامة في مسيرة بناء الدولة الأردنية وتطويرها، فهو يمثل استمرارا لترسيخ القيم الوطنية والروح القتالية في صفوف الجيش...
في الختام أقول سيظل الأردن الشعب والجيش بعون الله كما كان أهلا للأمانة وخدمة الأمة العربية والاسلامية والتي رضعناها بصدق منذ طفولتنا مخلوطة بمعنى الحب الفطري، وسيبقى الأردن عنوانا في الصمـود أمام كل الأخطار حفاظا على أنفسنا، وعلى الوطن العربي كلـه وخصوصا فلسطين...