"الحكومات والشعب"، من العلبة نفسها، ولكن!!
لاحقا للمقالين السابقين حول نموذج: "تسع ميمات"، يحسُنُ بنا أن نستعرض بشكل أعمق جوهر فكرة النموذج ومضمونها الرئيس، حيث تتصل بأهمية الإنسان سواء أكان من بين أفراد أي سلطة من سلطات الدولة، أم من بين أفراد الشعب، فكلاهما الحكومة " أي حكومة "، والشعب من العلبة نفسها.
فمستقبل الأردن - قوّةً وازدهارا - يتوقف على قوّة إنسانه. أما الضعف الحاصل في واقع الحال فليس سوى نتيجة تهتّك الثقة، واتساع الهوّة بينهما، وأعني بذلك الشعب، والحكومات المتعاقبة.
ويمكننا القول - والخطاب موجّه هنا للدولة، وليس للحكومة -: إن مستقبل الأردن المزدهر يتوقف على أمرين اثنين، وكِلاهما في غاية الأهمية، وهما: الحفاظ على الشخصية القويّة المتوازنة للإنسان الأردني، واحترام الاختلافات بين مكوّنات المجتمع، وتعظيم قواسمه المشتركة من جانب، والثقة المتبادلة بين الشعب والحكومات من جانب آخر. وكل هذا يؤشر على الدَّور الرئيس الذي يقع على عاتق النظام التربوي.
فالنظام التربوي هو المدخل الوحيد لبناء الإنسان، وإعداده عقليّا ومعرفيّا، وتمكينه من المهارات اللازمة لتفاعله الناجح مع محيطه الحياتي تأثرا وتأثيرا، وتشريبه القيم التي تحقق له الرضا الذاتي الضامن لحفزه على تحقيق إنجازات متلاحقة، وتفاعله الاجتماعي الذكيّ عن طريق خطاب تواصلي واضح وبوجه واحد، يفضي به إلى موثوقية عالية تجاه حكوماته صاحبة القرارات المؤثرة في حياته حاضرا، ومستقبلا.
من هنا فقط، يتزايد الوعي المجتمعي السليم بدور الإنسان الأردني في بناء بلده، وأنه هو وحده بوجهيه: مواطن وحكومة، من تقع عليه هذه المسؤولية، وليس العون الخارجي متعدّد الأغراض والغايات من يحرص على قوّة الدولة ومنعتها وازدهارها، ومن يحمل مسؤولية مستقبل أبنائها. ولهذا قال البُناة: إن " الإنسان أغلى ما نملك"، وأن الاستثمار الحقيقي يكمن بصورة أساسية في الموارد البشرية. وهذا يعني أن عدم الاهتمام بهذا الإنسان/ المواطن، بل والإمعان في إهماله وتهميشه، والتقليل من دوره في بناء بلده، والاستعانة بالأجنبي ليأخذ مكانه في العمل والبناء، يؤدي بالضرورة إلى تراجع الوطن، وقد تتراجع معه قوّة الدولة وهيبتها، ومكانتها بين الأمم!!
ولهذا كله، لا بدّ من القول بكل الصراحة والوضوح، وأحيانا نحتاج إلى الصوت العالٍي لقول " نعم" للمسوّغات الآتية:
• نعم؛ لوضع أولوية الاستثمار في الإنسان الأردني على رأس قائمة الأولويات.
• نعم؛ لاحترام الاختلافات بين مكوّنات المجتمع الأردني كافة، وتعظيم القواسم المشتركة بينها، بما يظهر الهُويّة الأردنية بوضوح.
• نعم؛ لتلبية الاحتياجات المختلفة لكل فرد، ومؤسّسة، ومنطقة جغرافية، بما يُفضي إلى تلبية احتياجات الوطن، وتحقيق مصالحه العليا، أملا بتحقيق العدل والمساواة معا.
• نعم؛ لتخفيف كل ما من شأنه تعزيز التمايز بين فئات الشعب الأردني أو إلغائه، وبالأخص: المال والتعليم، الرجل والمرأة، الأيدولوجيا والفرص الوظيفية.
• نعم؛ لتقديم ثقافة وطنية تجمع ولا تفرّق، توحّد ناسها على حبّها، والتفاني من أجلها، بتشريب إنسانها الأردني قيمها بالقول والعمل والتشريع، على أن تتعامل الحكومة " أي حكومة " مع الثقافة الخارجية بالحجم الطبيعي غير المنافس.
• نعم ؛ وبعد كل ما سبق، لبناء الوحدة الوطنية، كونها حاضنة اجتماعية، نلتحم بها، ونقترب من قضاياها وحاجاتها.
كما وينبغي لنا أن نقول:" لا" بقوة ووضوح للمسوّغات الآتية:
- لا للتملق والنفاق سبيلا للتقدم الوظيفي، والجاه الاجتماعي، وجمع الثروة غير المستحقة.
- لا لتغليب جانب من الشخصية على الجانب الآخر، أو تفضيله معيارا لأيّ تقدّم كان.
- لا للميل غير المنطقي للجانب السلبي على مدرّج سباعي، طرفاه: مغلق منفتح؛ متعصّب مرِن؛ متقطع مستمر؛ مجادل محاور؛ غامض شفاف!!
وفي ختام هذا المقال، لا بدّ من القول بأن الإنسان الأردني عندما يشعر بصدق، أنه مجال الاهتمام والرعاية، ويتمتع بحقوقه بعدل وفرص متكافئة، ويتحمل مسؤولياته الوطنية بكامل الثقة والاطمئنان، فإنه يصبح السّند القوي للوطن والحكومات من دون تبرّم، أو تضجّر، أو نكَد!!
حمى الله وطننا الأردنّ، وثبّت في ناسه حبّه، والإخلاص له.