عاجل - تبادل الأدوار لن يجدي نفعا .. فكلكم اوغاد



كتب كمال ميرزا - 

من الأساليب المشهورة التي اعتدنا مشاهدتها في الأفلام البوليسية أسلوب المحقق الطيب والمحقق الشرير.

يعتمد هذا الأسلوب على قيام المحقق الشرير بافتعال الغضب والعدائية في تعامله مع "المتهم"، والتحدّث إليه بأسلوب هجومي انفعالي حانق كلّه تهديد ووعيد، والإيحاء إليه أنّ صبره قد بدأ ينفد، وأنّه يوشك أن يفقد السيطرة على نفسه ويلجأ لاستخدام العنف..

وعندها يتدخّل المحقق الطيب، ويقوم بكبح جماح زميله الشرير، وربما يجبره على الخروج من غرفة التحقيق، ثم يلتفت إلى المتهم المرعوب ويبدأ بالتحدّث إليه بنبرة هادئة ودودة دافئة ملؤها الحرص والتعاطف لبثّ الثقة والطمأنينة في نفسه، ويشرع بمحاولة إقتاعه بإسلوب "سحلاب دحلاب" بالاعتراف، أو الإدلاء بما لديه من معلومات، حرصا على مصلحته، وحتى يتسنى له (أي للمحقق الطيب) مساعدته، وطبعا لتلافي غضب وعنف زميله الشرير!

منذ بداية حرب الإبادة والتهجير على الشعب الفلسطيني في غزّة والعدو يواظب على ممارسة هذا الأسلوب القائم على تقاسم الأدوار..

هذا يصعّد الخطاب.. وهذا يهدّئ الخطاب..

هذا يُظهر التشدد والتصلّب.. وهذا يُظهر اللين والتراخي..

هذا يتحدث بنَفَس القوي المتعجرف.. وهذا يتحدّث بشيء من الإنكسار والأسى..

هذا يقول لا للمساعدات والإغاثة.. وهذا يقول نعم للمساعدات والإغاثة..

هذا يقول لا لوقف القتال.. وهذا يقول لا بدّ من وقف القتال..

هذا يقول التوصّل لاتفاق مستحيل.. وهذا يقول التوصّل لاتفاق قد بات وشيكا..

هذا يقول لن يكون هناك حلّ الدولتين.. وهذا يقول "الدولتين" هو الحلّ الوحيد (مع أنّ حلّ الدولتين بحد ذاته هو خديعة وتصفية للحق الفلسطيني)!

ويتباين تقسيم الأدوار هذا؛ فأحيانا يكون بين نفس وزراء ومسؤولي عصابة الحرب الصهيونية المسمّاة حكومة.. وأحيانا بين العسكر والمدنيين.. وأحيانا بين الكيان ورعاته الغربيين.. وأحيانا بين الكيان وأصدقائه في المنطقة.. وهكذا!

هذا الأسلوب الخبيث هو جزء من سياسة المماطلة والتسويف وشراء الوقت بدماء الفلسطينيين من أجل إفساح المجال أمام ماكينة القتل والإرهاب الصهيونية لاستكمال مهمتها القذرة وتغيير الوقائع على الأرض.

وهو جزء من الحرب النفسية من أجل التلاعب بمعنويات الناس وإحباطهم عبر رفع سقف آمالهم وتوقعاتهم، ومن ثم "فقسهم" وخذلانهم، خاصة عندما يتم ربط الوعود والتوقعات بمواعيد وآجال زائفة.

وهو على المدى الأبعد نوع من حِفظ خط الرجعة في حال خابت المخططات وفشلت المؤامرات وبدأت الأمور تخرج عن السيطرة.. بحيث يتم تصدير "المعتدلين" لإبرام اتفاقات وتفاهمات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإقصاء "المتشددين" أو التضحية بهم كأكباش فداء!

وللأسف فإنّ هذا الأسلوب ينطلي على البعض فينسون أنّ الجميع أوغاد، والجميع مجرمون، والجميع كاذبون.. معتدلهم قبل متشددهم، و"مليحهم" قبل "عاطلهم".. وأنّ القضاء على المقاومة، وإعادة احتلال القطاع بثرواته ومقدّراته، وتهجير الفلسطينيين، وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.. هي كلّها قواسم مشتركة تجمعهم، وغايات موحّدة تؤلّف بين قلوبهم، صهاينةً وأعراباً وأوروبيين وأمريكان!

لحسن الحظ أنّ أسلوب المحقق الطيب والمحقق الشرير لا ينطلي على المقاومة وحاضنتها الشعبية، فقد أثبتوا منذ اليوم الأول أنّهم أذكى من "المحقق كونان" في التعامل مع المؤامرات والمكائد التي تحاك ضدهم.. في حين أنّ الأنظمة العربية حالها كحال المحقق "توغو موري"، من فرط غبائها تظن نفسها عبقرية، ولا تدري أنّه سيتم التخلّص منها ومن رموزها بمجرد الانتهاء من إنجاز المهمة وحلّ القضية!