رمضان في غزة.. صومًا مقبولًا وإفطارًا مفقودًا

بعينين جاحظتين ارتخت جفونهما إثر فقدانه 20 كيلو جرام من وزنه، يرقب محمود ما تبقى من سلع في سوق مستحدث شمالي قطاع غزة، عله يعود لأسرته بشيء يتناولونه على وجبة الإفطار في شهر رمضان المبارك داخل مركز نزوحهم.

فشلت العينان المرهقتان في رصد أي من الأطعمة التي اعتاد عليها طوال عقوده الأربعة الماضية، وعاد كبقية سكان محافظتي غزة وشمالها بأوراق من الخبيزة التي لا يتوفر غيرها في السوق، عدا القليل من الحشائش.

غابت اللحوم والخضروات والأجبان والحلويات للمرة الأولى عن رمضان، وإن تصادف وجودها فإن سعرها يفوق قدرة الجوعى على شرائها.

تسيطر الحيرة على 700 ألف مواطن يقيمون شمال وادي غزة وهم يحاولون تدبر طعامهم بعد نفاد معظمه، وغابت الأطباق المتنوعة عن وجبة السحور التي اقتصرت غالبا على الزعتر والدقة.

لم تكن وجبة الإفطار أوفر حظًا، حيث ينهمك الصائمون لتوفير الطحين الشحيح مرتفع الثمن، كأولوية دون الاكتراث بما سيتناولونه معه.

يقول محمود إن يومه يبدأ باكرًا مع الساعة الثالثة فجرًا كبقية المقيمين في مراكز الايواء، الذين يشعلون الأخشاب لطهي ما تيسر لهم لطعام السحور، فيما يقضي نهاره بحثًا عن طعام قبل أن يعود مجددًا لاشعال النيران لتجهيز الإفطار.

جسده الهزيل يشير إلى بدء سكان غزة صيامهم القسري قبل أشهر، في ظل شح الطعام المتزامن مع نيران الحرب التي اضطرتهم للنزوح من مكان لآخر، وغابت عنهم طقوس رمضان المتعارفة.

لم يعد محمود قادرًا على جمع شمله مع بقية عائلته التي نزحت جنوبًا هربًا من الحرب، ولن يستطيع هذه المرة استضافة شقيقته على الإفطار بعدما فارقت الحياة عقب قصف طال منزلها.

"الحرب غيرت كل شئ ولم يتبق من رمضان إلا الصبر على المزيد من الجوع"، هكذا يصف محمود الواقع المرير الذي يعيشه سكان غزة.

ويضيف، لوكالة "صفا"، "وصل بنا الحال أن نكون من المحظوظين إذا توفرت وجبة واحدة على مائدة الإفطار، بعدما اعتدنا على تنوع الطعام".

"كيف للصائمين أن يقضوا نهارهم وليلهم بعيدًا عن منازلهم وتحت أصوات القصف والخوف من غارات طائرات الاحتلال التي تسيطر على أجواء غزة؟"، يتساءل محمود.

يسخر الأربعيني من الواقع، وهو يقول: "قديما كانوا ينتظرون صوت المدفع ليعلن دخول وقت المغرب، الآن أيضًا نفطر على أصوات مدافع الاحتلال التي تدك المنازل على رؤوس ساكنيها".

يستثني رمضان غزة هذا العام من الكثير من عاداته، فانقطعت الزيارات، وتوقف تبادل دعوات تناول الطعام، وغابت صلوات الجماعة عن المساجد المدمرة، ولم يبق إلا الذكريات التي كانت تعيشها العائلات في مثل هذه الأوقات من كل عام.

تتحلق الأسر في غزة على القليل من الطعام الذي يفترشونه أرضًا، ونظرات الألم والحسرة تسيطر على عيونهم، ودعواتهم أن يذهب الظمأ ويثبت الأجر.

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر 2023، استشهد نحو 31500 مواطن، وأصيب نحو 73500 آخرين، 72% منهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة، عدا عن تدمير نحو ثلثي المباني السكنية، والبنية التحتية والخدمية، والمنشآت الاقتصادية.