عاجل - هذا الوطن.. نخاف منه ويخاف منا ..!!


كتب عدنان الروسان - 

لقد تخلينا عن انفسنا ، لقد هزمنا أمام جبننا ، و استسلمنا قبل ان نستل سيوفنا ، فسيوفنا خلقت لأغمادها لا لأيدينا و دماؤنا تجري في عروقنا لرغباتنا لا لشرفنا و عزتنا ، لقد آثرنا السلامة و صرنا في عالمنا بين بعضنا البعض كمربع و الفرزدق ، و صرنا نسمي الخوف عقلا و الهزيمة حكمة ، لقد خذلنا أنفسنا و بقينا نتفرج كيف يؤكل الثور الأبيض و ما أكثر الثيران البيض لكنها تنقرض يوما بعد يوم فنحن و الحمد لله لا يهمنا و لا نحب اللون الأبيض حتى ، فليؤكل من يؤكل و ليوم الله بفرجها الله ، لقد تبلدت مشاعرنا تجاه وطننا ، هذا الوطن الذي أطعمنا ذات يوم من جوع و آمننا من خوف ، اليوم نخاف منه و يخاف منا ، فقانون الخوف يمنعنا من الحديث و يمنعنا من البكاء و يمنعنا من اللقاء و يحمل سيفه مصلطا على اعناقنا ليل نهار.

نخاف حتى أن نكتب لأن الكتابة قد تودي بنا في مهاوي الردى فانزوينا كل بزاويته ،و صرنا اقرب الى الصوفية نتدثر بها تقربا الى الله و نحن نعصيه و نلوذ بها بعد ان تقطعت بنا السبل خائفين لا طائعين ، انها الزاوية الصوفية الواقعية ، و في هذه الزاوية يكون الشيخ مواليا ناقدا لا ناقدا متجردا ، و يتخلى عن عمامته و يخلع ما ترقع من ثوب الزهد و يقف حاديا متقلبا و يقيم جماعتين في آن و في نفس المكان ، يئتم في العشاء و القيام بعلي و يتعشى مع معاوية ، بينما نحن نقف في زاوية مظلمة كحادي العيس و قد صدقنا أن صاحب الشأن و الإلهام يسمعنا و قد قال ذات يوم أنه يعتذرلنا عن تلهيه عنا و ان زاويته تزهو بنا وطنا نحل به و رأينا صاحب الطريقة شيخ الزاوية و قد أخذه الحال يتمايل فتمايلنا ، و ينشد فأنشنا انا على العهد لم ننكر مودتكم يا ليت شعري بطول البعد ما فعلوا ، و نظر الينا شيخ الزاوية كرقيب عتيد ، فقد كان يحدو هو بغير ذلك و اعتبر تقربنا بعدا و بعده تقربا و كأنه يملك مفاتيح الجنة و النار ، و صدقناه بالإيماء .

نتنافخ شرفا بعد ان نوصد الأبواب و نسدل الظلام لأننا نستحي ان نشعر بأنفسنا و كأننا أحياء بينما نحن أموات نمشي على الأرض ، نخاف من المشرعين الذي شرعوا لنا ان نخاف و ان نهدأ و لا نتحدث حتى مما نخاف منه او نخاف عليه ، نخاف لأننا زرعنا النفاق فأنبت خوفا ، وصرنا نظن بالله الظنونا و نذهب الى مجالسنا نتمطى ، و هناك من ان اذا رآنا أو سمعنا عبس و تولى و نسي في صولجانه و مفارش مجلسه المزركشة انه ليس الا نطفة من مني يمنى و أنه سيقف يوما معنا جنبا الى جنب على حد سواء و ان المخاتير و الزعماء و السادة كلهم سيكونون مع الفقراء و بياعي العلكة على مفترقات الطرق و الاشارات و سينظر الله الى الجمع على مد البصر و سينادي و أعناقنا مشرئبة. يا دنيا أين أنهارك ، أين أشجارك ، وأين عمارك ، أين الملوك وأبناء الملوك ، وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري لمن الملك اليوم ، فلا يجيبه أحد‎ ، فيرد الله عز وجل فيقول الملك لله الواحد القهار.

لمصلحة من يعمل هذا الصمت الرهيب الذي يسود مجتمعنا الأردني المملوء بالخوف و الذعر من قول اي كلمة قد تفسر في غير معناها أو تنسب الى جريمة و تنسب الجريمة الى كاتبها و يرسل الكاتب الى السجن لأنه ينشر الكراهية بين الناس و يحرضهم على مايجب ان لا يفعلوه او لأنه بكلمته مس هيبة الدولة او تجرأ على الوحدة الوطنية و صار أصحاب الأقلام التي مازال فيها بقايا حبر و في اصحابها بقايا ضمير يتبادلون الحديث همسا حينما يلتقون و يقلبون وجوههم في اسقف المكان الذي يجلسون فيه و في ارضياته و جدرانه فللجدران آذن ثم يقومون بلف هواتفهم بالكثير من المواد العازلة لأن للهواتف النقالة اذان و عيون ثم بعد كل ذلك يتلفتون لبعضهم البعض لأن كل واحد منهم يشك بالآخر فلا يجرؤ احد على قول كلمة قد تودي به مهاوي الردى .

لمصلحة من افراغ الساحة من اي كلمة ناقدة و اي خطاب وطني صادق و بات المسرح كله مفتوح على مصراعيه و فسيح بكل قيعانه و عرصاته لمن يريد أن ينافق في سبيل شرهة من هنا او شرهة من هناك ، وانقلب كثير من الكتاب و الخطباء الذين كنا نسترشد بخطبهم و كلامهم الى ايقونات جدارية يعلوها الغبار و بدأنا بالبحث عن الحقيقة الضائعة لنرى كيف يمكن ان نخدم هذا الوطن ، و كيف يمكن ان نوفق بين الوطنية و الخوف ، و الضمير و الجوع ، و أمانة الله التي اودعنا اياها و جور النفس على النفس و التأرجح بين الحقيقة و الخيال ، لكننا نحب هذا الوطن و سنبقى نحبه تأسيا برسول الله في حب مكة و الوطن.

بلغ الهوس بنا أننا صرنا نعيش نصف النهار مع أحلام اليقظة و نصف الليل نفكر في امتطاء حصان لنطارد أحلامنا الواهمة و صرنا كتيبة من كتائب الخوف الملفع بالكذب و صارت كل طواحين الهواء مرابعنا في خيالاتنا و دون كيشوت فارس احلامنا و انقلبت الدنيا بنا لأن الخوف يورث الخوف و الخوف يورث الجبن و كلب حي خير من أسد سجين كما يقال في أدبيات الخائفين و في سفر الحائرين من كتاب " انتو وين و احنا وين " ذوقوا نتاج عقوقكم ...

و ها نحن نذوق ..!!


adnanrusan@yahoo.com