رمضانيات (٤) : وسيجنبّها الأتقى

 
يقسم العلماء الشعائر التعبدية الى نوعين: عبادات ذاتية كالصلاة والصيام والحج، وعبادات متعدية للاخرين كالزكاة. وليس لنا ان نختار من بينها، فالله سبحانه اوجبها بهذه الاشكال والاولى الالتزام بها وبكيفيتها.
سجل القرآن الكريم ارتباط فريضتي الصلاة والزكاة في مواضع كثيرة كقوله سبحانه ( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ). وجعل مقاصد العبادات تحقيق التقوى كما في قوله تعالى في اية الصوم ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
الفضل في العبادات المتعدية للاخرين - أي ذات النفع للاخرين- بدا واضحا في كثير من المواضع القرانية كما جاء في الاية الكريمة - في معرض الحديث عن النار- والتي نزلت في سيدنا ابي بكر رضي الله عنه ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ). الاشارة في مثل تلك الاية تأتي لحث المسلم على فعل الخير للاخرين، وهو المتمثل بالعبادات المتعدية، وجعل انفاق المال من علامات التقوى. ورد في موضع اخر قوله سبحانه في تصوير للحياة بعد الموت (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) فجعل تمني العودة للحياة الدنيا للقيام اولا بواجب المال تجاه الاخرين سواء كان زكاة او صدقة ثم ياتي عموم العمل الصالح.
وفي فضل الانفاق؛ جاء فضل الانفاق في سبيل الله كما في الاية الكريمة (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) حيث البركة في الاجر والثواب بلا حساب.
في شهر رمضان اعتاد الكثير من المسلمين اخراج زكواتهم وزيادة صدقاتهم قياما بالواجب وطمعا في عظم الاجر. جاء في الحديث الشريف ( كانَ رسولُ الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان). وقد جعل الله لفريضة الزكاة ابوابا محددة، لكن الصدقات ليست محددة المجالات، وبلا شك ان الانفاق في سبيل الله وأعلاه الجهاد هو الاولى.
في مأساة غزة التي دخلت شهرها السادس، نذكر اخواننا بواجب الاخوة وتحقيق الواجب الشرعي بذلك. ولا يخجل بعضنا من القليل، فقد جاء في الحديث ( سبق درهم مائة ألف، قالوا : يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟ قال : رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به ، وآخر له مال كثير فأخذ من عرضها مائة ألف )
الدال على الخبر كفاعله، و تقبل الله طاعتكم و صدقاتكم.