عاجل - عن الإبادة والتهجير وحرب "المطمطة": المقاومة دائما تسبق العدوّ بخطوة
كتب كمال ميرزا -
بحسب الخبير العسكري اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار فإنّ حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني على قطاع غزّة قد "وصلت إلى طريق مسدود وأكثر عبثية ومؤذية".
عسكريّا قد يبدو هذا الكلام صحيحا، فالكيان الصهيوني قد فشل في تحقيق أي خرق فيما يتعلق بالقضاء على المقاومة أو إضعاف قدراتها القتالية.
وبالمثل، فقد فشل الكيان في تحقيق أي خرق يذكر على صعيد روح أهالي غزّة المعنوية، وصمودهم الأسطوري، وإرادة الحياة والبقاء والتمسّك بالأرض لديهم رغم التجويع والتعطيش والتنكيل وجرائم الحرب.
ولكن على صعيد تدمير القطاع، وتحويله إلى مكان غير صالح للعيش وجاهز لـ "التجريف" و"إعادة البناء" حسب الطلب.. فإنّ الكيان قد استطاع قطع شوط كبير في هذا المضمار!
الآن يجري التحضير لمرحلة تالية من المخطط، مرحلة لها زخمها وحيثياتها بعد أن بلغت المرحلة الحالية منتهاها:
عسكريّا من خلال شنّ هجوم برّي على رفح آخر المعاقل التي ينبغي تسويتها بالأرض في غزّة.
وأمنيّا من خلال إعادة تقطيع أوصال القطاع إلى "بلوكات" ومناطق عازلة.
واستخباراتيّا من خلال إعادة هندسة عملية الرصد وجمع المعلومات وتجنيد المصادر لتجاوز الضربة القاسمة التي تعرّض لها الكيان بهذا الخصوص، وحالة العمي الاستخباراتي والمعلوماتي التي عانى منها طوال الشهور الخمسة الماضية.
وسياسيّا من خلال الخروج بصيغة شكلية على الأرض لحكم وإدارة غزّة توظّف الانقسام الفلسطيني، واستعداد الكثيرين لبيع ذممهم مقابل أدوار وظيفية مدفوعة يؤدونها للاحتلال، وتواطؤ الأنظمة العربية المعنية واستعدادها للإلقاء بثقلها وتوظيف الأوراق التي تمتلكها لهذه الغاية.
بالنسبة للشِق السياسي فهو للأسف ناجز وناضج وجاهز للتطبيق والتنفيذ على الفور: فالانقسام قائم، والعملاء المستعدون لبيع ضمائرهم كُثُر، والدول العربية السابحة في الفلك الصهيو- أميركي متواطئة مع مخطط القضاء على المقاومة منذ اليوم الأول باعتبار المقاومة تهديدا و"عدوّا" مشتركا.
تبقى هناك الجوانب العسكرية والأمنية والاستخباراتية أعلاه، والتي تستدعي وقتا بالمعنى المادي الفيزيقي لكلمة وقت، فهناك قاعدة أميركية تحت مُسمّى ميناء عائم يجب أن تُنشأ، وهناك شوارع وأسوار وأبراج ومرافق وطوبوغرافيا جديدة يجب أن تُبنى، وهناك أنظمة وشبكات رصد وتجسس يجب أن تُرمّم ومخبرين يجب إعادة تجنيدهم وبثّهم بين الناس!
الهامش الزمني الذي تحتاجه هذه الأعمال الإنشائية واللوجستية بحسب تصريحات أصحابها هي حوالي (6 - 8) أسابيع، وهي للغرابة نفس المدّة الزمنية التي يتم طرحها للهدنة الإنسانية التي يُنادي بها الجميع.
طبعا قد تنقضي هذه المدّة وفق المنوال الحالي دون التوصّل لأي اتفاق من أي نوع، وهنا بيت القصيد، فالكيان الصهيوني وأعوانه قد دخلوا حاليا مرحلة "المطمطة"، وما قد يتراءى كأفق مسدود، أو عبثية، أو حتى معاودة ترديد لاسطوانات مشروخة وأفلام محروقة مثل احتلال "مجمع الشفاء الطبي" وغيرها من الحركات "القرعة".. هي في حقيقة الأمر عملية تشتيت وإلهاء وشراء وقت لحين إنجاز واستكمال التحضيرات اللازمة للمرحلة التالية.
قد يرى البعض أنّ هدف "المطمطة" هو تجاوز شهر رمضان المبارك ومحاولة الكلب المسعور "نتنياهو" وعصابة حربه إطالة عمرهم السياسي، ولكن هذه مجرد أهداف "تكتيكية"، أمّا على المدى البعيد فإنّ لهذه "المطمطة" أهدافا قد تتجاوز "تتنياهو" نفسه!
هذه "المطمطة" تفرض على المقاومة عبئا إضافيا، فمن ناحية هناك عبء إدامة الاشتباك والحفاظ على الزخم من طرفها، ومن الناحية الأخرى هناك عبء تعطيل العدو ومنعه من استكمال تحضيراته وتجهيزاته وبناه التحتية للمرحلة التالية.
المقاومة أثبتت كلّ مرّة أنّها تعرف العدو جيدا، وتفهم منطقه، وتقرأ أفكاره، وتسبقه دائما بخطوة أو خطوتين، وهي قطعا لا يخفى عليها حقيقة ما يتم التحضير له وتجهيزه، وهي قطعا لديها خياراتها وبدائلها للتعامل مع أي انعطافات ومسارات جديدة لمخطط الإبادة والتهجير.. ولكن المهم أن نعي نحن ذلك، الناس والشعوب والحواضن الشعبية، سيما وأنّ نسبة كبيرة منّا قد بدأ يتسلل إليها الوهن و"الملل" مع تطاول الأمد!
هي حرب إبادة وتهجير وما تزال حرب إبادة وتهجير، وما لم يعلن العدو رسميا استسلامه وانسحابه من قطاع غزّة، ونرى هذا الانسحاب بأمّ أعيننا، فإنّ أي تعديل أو تغيير في التكتيكات والأساليب والمُقاربات مهما بدا واعدا أو موحيا فإنّه لن يخرج عن ثيمة الإبادة والتهجير ولن يحيد عنها حتى إشعار آخر!