سوس الخشب "منّه وفيه"!!

 أتحدث أنا وكثير غيري، ونحن في غاية الاستغراب والإحباط، نتحدث بكل المرارة التي عرفها وعاشها الناس عبر التاريخ، ونحن نتابع ونحلل مشهد الأحداث الإنسانية المأساوية التي تجري أمامنا على أرض فلسطين وبالتحديد في قطاع غزة المجد والكرامة، وأمام العالم الأصم أجمع، حيث تنتهك بها الفطرة الآدمية، وقواعد القانون الدولي الإنساني، وتُداس بها المفاهيم البراقة التي قالوا – بادّعاء مزيَّف - إنها عناوين الدولة المدنية، والحضارة الراقية. وتجاوز استغرابنا وإحباطنا المنطق، ونحن نرى بأمّ أعيننا جهارا نهارا ما كان يتم مستترا من أفعال الإخوة في العروبة والدين. إذ لا يكفي أن نقف متفرّجين ومحايدين، بل نسبق العدوّ في تهيئة البيئة المناسبة على جرائم القتل، والتشجيع عليه، وتكريم المحتل الغاصب من دون أن يردعنا دين، أو يؤنّبنا ضمير!!
فالويل لمن غرس خِنجره في خاصرة أخيه الذي يدافع عنه، ويحمي عِرضه، ويحفظ له كرامته وعزّته، ويخاطر بنفسه وأولاده وبيته، ويفديه بروحه باسم رباط الأخوّة وصلة الرحم، ويفدي وطنه باسم العرب والعروبة، ويدافع عن مقدساته باسم الدين.
إن فزعة الإخوة ونصرتهم له، وللحق، وإعلاء لكلمة الله، هي من المفروض أن تصدع لأمر الله جلّ شأنه في علاه حيث قال: "وأعدّوا لهم مّا استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل.… "، والقوّة ليست السلاح وتفوقه وتنوعه فقط، بل من يحمل السلاح ويستخدمه، ومستوى جرأته في قول الحق، وإقدامه نحو العدو من دون خوف أو تردد، أو رهبة؛ لأنه لا يطلب إلا الشهادة، أو النصر من عرض هذه الدنيا الزائلة.
وبيت القصيد هنا يكمن في جزء الآية الكريمة " تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم وآخرين من دونهم…." والآخرون هنا هم السوس الذي ينهش الخشب وهو في داخله، مع الابتسامة والكلام المعسول حينا، والترويع والقتل والتحريض عليه أحيانا أخرى، مع أن بعضهم وصل به الحنق والشطط لدرجة الانفعال، والتلفظ بكلمات، وتصرفات كشفت عيوبه هو ورهطه، بل وكشفت فضائح رذيلته ومن معه بوقاحة لا يرفّ معها له جفن، ولا يحفظ له ماء وجه!!.
ولا تغيب عن المشهد عبارات "النَّتِن ياهو" في بداية الحرب حين قال بلسانه العنصري: "سنجلس كلنا للمحاسبة، ولكننا الآن أمام استحقاق أهم، وهو "إنقاذ الدولة" على حدّ زعمه وتعبيره. قالها يومها بوجه متجهّم مستجمعًا بقايا رباطة جأشه المخذول. وهذا يؤكد لنا أن بربريّتهم العنصرية، ووحشيّتهم الهمجيّة، وصهيونيّتهم اللاإنسانية الحاقدة تعمل لديهم تنفيسا لانتقامهم، وثأرا لكرامتهم التي زالت هيبتها، وهزيمتهم الساحقة التي كسرت آلتَهم العسكرية المتغطرسة، ولكن ما الذي يسوّغ لإخوة الدم والمصير هذا السلوك الذي لا يقبله حتى اليهود الحاقدون أنفسهم.
إن هلع الصهاينة من الأيام القادمة التي تلي الحرب، هو في نظر الكثيرين الذين يعيشون الحدث ويواكبون أزماته وتعقيداته أكبر بكثير من أيامهم التي يعيشونها بلحظاتها الآنيّة على الرغم من كارثيّتها. فالمآلات والاستحقاقات التي تتناول وجودهم، واستمرارهم محتلين للأرض باتت - بعد أن تتوقف الحرب - محلّ نقاشهم، وتساؤلات من يدعمهم زورًا وبهتانًا وتطبيعًا، إنهم يرون نهاية كيانهم المزيّف، ويرى العالم معهم نهاية مشروعهم الصهيوني.
وهنا نقول للحق والتاريخ: لماذا لا يناقش إخوة الدم، والمصير، والقومية، والدين، واللسان نهاية هذا الكيان، وكيف سيصبح بعد وقف الحرب وانتصار المجاهدين، وما الحجم والقوة التي سيكون عليها هذا الكيان المحتل بعد الحرب؟.
يعرف كل ذي عقل أن طوفان الأقصى بدأ ولن ينتهي بوقف لإطلاق النار، وقد تكون استحقاقاته كارثية على دولة الكيان التي مارست أقصى درجات الإجرام بكل ابتذال وترخّص، وهي تحاول "إنقاذ ما تبقّى من كيانها"، في الوقت الذي يحاول فيه العالم الغربي بالذات إنقاذ مشروعه الاستعماري القذر، وقاعدته المتقدمة في سرقة ثروات الشعوب المستضعفة.
والأدهى من كل ذلك، وكما يقول الدكتور ذوقان عبيدات: إن ممارسات التدوير، والتسمين، والتفريز والتمديد التي لا تعتمد على نظرية بالعالم، هي ابتكارات تُحسَب للإدارة العربية التي أقحمت بها هذه المفاهيم على السياسة ما بعد 7 أكتوبر، حيث باتت عمليات تدوير الأشخاص ممّن لا لون لهم، بل لهم طعم تفوح منه رائحة الفساد، والنفاق، وجرأة المؤامرة وهي تستثمرهم في مَهمّات عابرة للدول، أو تُسمّنهم ليوم، ومَهمّة تفوح منها رائحة الغدر والضغينة، أو تفرزهم ليوم أسودَ بلونه ومضمونه، أو تمدّد لهم مؤقتا لوقت أفضل للفتك بهم، وتعزيرهم أكباش فداء.
إنها الحق والحقيقة، حياة غريبة ليس فيها نقاء، أو أمان….. وليس لنا فيها الآن إلا أن نبتهل إلى الله أن يحفظنا، ويحفظ بلدنا، وينصر أهلنا في قتالهم المشروع بتأييد الحق، والله غالب على أمره ولو كره الكافرون!! .