تل الصبر ودراما المقاومة الفلسطينية "نزيف التراب"
كتب نضال العضايلة -
شكّلت مقاومة الاستعمار الإسرائيلي ، أهم المحاور في المسلسلات الدراميّة الفلسطينيّة في مرحلة ما بعد «اتّفاقيّة أوسلو»؛ امتداداً إلى الموسم الدرامي الحاليّ 2024، إذ تناولت مسلسلات هذه الحقبة التحديات اليومية، والظلم، وانتهاكات حقوق الإنسان، الّتي تواجه الفلسطينيّين تحت الاحتلال الصهيوني الغاشم، وتسلّط الضوء على المرونة والشجاعة والتصميم عند الفلسطينيّين، في نضالهم من أجل الحرّيّة، وقضايا الأسرى في المعتقلات الصهيونيّة.
يُعَدّ الإنتاج الدراميّ الفلسطينيّ ضئيلًا مقارنة بالإنتاجات الأخرى في البلدان العربيةالمصري، ومردّ ذلك قد يكون الإنشغال بالشؤون السياسية للبلاد، والتركيز على البرامج الترفيهية في ظل المآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني من جهة، وضغط الاحتلال الإسرائيلي على القطاع الإعلامي، الذي يحد من إنتاج أعمال درامية تلفزيونية توعوية بحقيقة الاستعمار وفظائعه، ضمن نسق التوجيه السياسي لأبناء الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي سياق الحديث عن الدراما الفلسطينيّة المعاصرة، وضعنا المسلسل التلفزيونيّ «نزيف التراب»، الّذي أنتج في الموسم الدرامي الرمضاني 2024، قيد الدراسة والتحليل، للنظر في ما إذا كان للدراما الفلسطينيّة المحلية دور في إيصال هم الفلسطينيين وصوتهم إلى الشاشة، ووضعها على المحك أمام المتابعين، سواء العرب أو الغرب.
ويتضمن ذلك إبراز نقاط القوة في الرسائل المتعددة الّتي يهدف فريق المسلسل إلى نقلها، من خلال المشاهد الدرامية الّتي تحاكي الواقع الّذي يعيشه الشعب الفلسطيني.
في بلدة (تل الصبر) القريبة من محافظة (نابلس)، ينجو الأسير الفلسطيني (بلال) عقب هروبه من المحتل، حيث قامت الخالة (أم عسكر) بإنقاذه من الموت المحقق، فغير (بلال) اسمه إلى (عاصف) وتوالت الأحداث.
تناول مسلسل «نزيف التراب» جوانب مختلفة من الحياة الفلسطينية، تمتد على كأمل اراضي الضفة الغربيّة والقدس، وتشمل مواضيع مثل الاقتحامات اليومية لجيش الاحتلال للبلدة، والأسرى في سجون الاحتلال، والمقاومة الفلسطينية، وانتفاضة القدس، والمستوطنات، والتهويد، وغيرها من المواضيع التي يسعى فريق العمل إلى تسليط الضوء عليها.
وفي حين أنه من الصحيح أن الأحداث والمشاهد التمثيلية، في الضفة الغربيّة والقدس، لها حضور أكبر في المسلسل مقارنة بأحداث جرت في مناطق أخرى، فإن التركيز على بلدة تل الصبر ومقاومتها يتجه نحو دفع حركة المقاومة هناك إلى الأمام، والتشديد على أثرها ودورها النضالي وعدم إغفاله، ولا سيما بالنظر إلى التنسيق الأمني بين «السلطة الفلسطينيّة» وسلطة الاحتلال الصهيوني.
حظيت قضية الأسرى في السجون الإسرائيليّة باهتمام كبير خلال أحداث مسلسل «نزيف التراب»، وكان التركيز على أوضاع الأسرى، والانتهاكات، والتعذيب الوحشي الذي يتعرضون له خلال فترة الاستجواب، التي كشفت حقيقة واقع الأسرى من خلال مشاهد دراميّة، وبالمثل، قدمت مشاهد الحبس الانفرادي وصفا دقيقا للحياة الصعبة للسجناء المعزولين، وكيف يعاملهم السجانون الصهاينة، وكيف أسفر التعذيب النفسي عن عطب العديد من الأسرى، تجسد ذلك في شخصية "عميد" المقاوم الفلسطيني الذي تعرض لتعذيب نفسي عطفاً ما يقوم به شقيقه "بلال" من مقاومة شرسة للإحتلال الصهيوني.
لقد أظهر الصراع الدرامي في "نزيف التراب" عدم قدرة الضباط الإسرائيليّين على التعامل مع هذا النوع من المقاومة الفلسطينية التي تعتمد على الفكر والتخطيط، كما سلّط المسلسل الضوء على قدرة المقاومين على التواصل مع العالم الخارجي، والتأثير في الساحة الفلسطينيّة، إذ لم تكن المقاومة قط عقبة أمام استمرار عملهم المقاوم، مما يفضح زيف نظرية الاحتلال الأمنية في إنهاء المقاومة.
ويناقش المسلسل مسألة الاستيطان والاعتداءات في نابلس وتل الصبر، ويلقي الضوء على واقع تصرفات المستوطنين دون مبالغة، ويصوّر هذا الأمر من خلال قصص واقعية للحياة اليومية لأهالي تل الصبر، حيث يصور المسلسل عمليات مقاومة المستوطنين وطردهم، واستصلاح الأراضي.
كما يستعرض المسلسل المحاولات الإسرائيليّة لاستعادة السيطرة من خلال الجرائم اليومية التي يقوم بها المستوطنون، بما في ذلك العنف والإذلال ضد السكان، ويظهر المسلسل تصميم الفلسطينيّين على حماية أرضهم من عدوان المستوطنين، وتفضح المصالح المتباينة للصهاينة، على عكس الرواية التي يقدمها الإسرائيليّون، ويكشف عن مصالحهم المشتركة في الاستيلاء على الأراضي والممتلكات الفلسطينية.
تعكس المشاهد المتعلقة بالمقاومة في الدراما الفلسطينيّة المعاصرة، مثل «نزيف التراب» مدى التأييد الشعبي والوحدة الفلسطينية حول خيار المقاومة والدعم المعنوي المقدم للمقاومة وأهالي فلسطين المحتلة خلال العدوانات عليها.
لقد ابدع المخرج بشار النجار، والمؤلف اسامة ملحس، والمعالج الدرامي سعيد سعادة في إخراج دراما فلسطينية تحاكي الواقع الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية المحتلة.