بلينكن يغطي على جرائم الاحتلال بحراك دبلوماسي ماسخ .. فما الذي قاله لهم ، وماذا قالوا له ؟


كتب كمال ميرزا -

كلما أتى وزير الخارجية الأمريكي "انتوني بلينكن" إلى المنطقة وغادر، نشهد زيادة في حدّة إجرام ووحشيّة الكيان الصهيوني في إطار حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها على الشعب الفلسطيني في غزّة والضفة.

هذا الأمر ليس مستغربا، فـ "بلينكن" أولا وأخيرا يأتي إلى المنطقة كـ "يهودي" ويغادر كـ "يهودي" باعترافه هو، والذي ينتظر منه ومن أميركا التي تُخاض حرب الإبادة باسمها خيرا فيما يتعلّق بغزّة وفلسطين والمقاومة فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار!

كان الأمر سيهون لو أنّ "بلينكن" لم يجتمع بما تسمّى "السداسية العربية"، حيث ضمّ الاجتماع وزراء خارجية مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات وأمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وبحسب الأنباء، فإنّ المجتمعون قد ناقشوا "تصوّرا عربيّا لخطة سلام إقليمي شامل، تبدأ بإنهاء الحرب على قطاع غزّة، ثمّ إطلاق مسار يقود إلى إقامة دولة فلسطينية، مقابل تطبيع عربي واسع مع إسرائيل".

هل مجازر العدو الصهيوني في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه هي جزء من التصوّر العربي لخطة السلام الإقليمي الشامل؟

وهل تدمير المباني على رؤوس اللائذين بها، أو حرقها والناس داخلها، أو إطلاق النار العشوائي على كلّ مَن وما يتحرّك، أو "هرس" المصابين والجثامين تحت جنازير الدبابات.. هل هذا كلّه جزء من خطة السلام الإقليمي الشامل؟

وهل الإعدامات الميدانية، وتصفية الكوادر الطبية، والاعتقالات بالجملة.. جزء من خطة السلام الإقليمي الشامل؟

هل إطلاق الكلاب لتنهش الأحياء وتأكل من جثث الشهداء جزء من خطة السلام الإقليمي الشامل؟

وهل اغتصاب النساء جزء من خطة السلام الإقليمي الشامل؟

الكيان الصهيوني بذريعة أكاذيب مفبركة بارتكاب مقاتلي المقاومة اعتداءات جنسية وقطع رؤوس أطفال قد قام بشنّ حرب إبادة لا تُبقي ولا تذر.. فماذا سيصنع العرب الآن وقد بلغ الإجرام الصهيوني حدّ الاغتصاب وحرق الناس ووأدهم أحياء؟!

يُفترض أنّ أكثر ما يتمسّك به العربي هو شرفه، فمتى يمكن أن تشعر الأنظمة العربية، ومتى يمكن أن تشعر "السداسية العربية"، أنّ شرفهم قد تمّ المساس به؟!

أم أنّ الشرف قد أصبح هو الآخر مفهوما "نسبيّا" قابلا للتجزئة والتقسيم كلٌّ حسب حدود "سايكس بيكو" و"سان ريمو"؟!

ومتى أصبحت السياسة والدبلوماسية و"الاعتدال" تعني "الدياثة"؟

سؤال جاد وصريح ومباشر:

متى يمكن أن تُعلن الأنظمة العربية الحرب على الكيان الصهيوني؟

وما هو الحدّ الذي ينبغي أن يتجاوزه الكيان (ولم يتجاوزه بعد) لكي يعلن العرب الحرب عليه؟

شروع الكيان الصهيوني بمذابحه وجرائمه في "مجمع الشفاء" بمجرد مغادرة "بلينكن" هو إقرار ضمني بموافقة الولايات المتحدة عليها تمهيداً وتهيئةً لمرحلة ما بعد الميناء العائم.

وفي المقابل، فإنّ هذه المذابح والجرائم تشي أنّ أميركا والكيان الصهيوني لا يُقيمان وزنا للسداسية العربية وأنظمتها، ويتعاملان معها بمنتهى الاستخفاف.. أو تشي، وهو الأخطر، أنّ هذه المذابح والجرائم هي جزء من خطة السلام الإقليمي الشامل، أو على الأقل لا تتعارض معها!

متى تعلن الأنظمة العربية الحرب على الكيان الصهيوني بدلا من اللهاث وراء التطبيع وإقامة المشاريع العملاقة معه؟ وإذا كانت لن تحاربه، فعلى الأقل لماذا لا تنفي عن نفسها تهمة الوقوف إلى جانبه والتواطؤ معه من خلال الاعتراف رسميا بالمقاومة وفصائلها كـ "حركات تحرّر وطني مشروعة"؟

هل يمكن أن تعترف "السداسية العربية" بالمقاومة الفلسطينية كحركة تحرّر وطني مشروعة، أم أنّ هذا أيضا يتعارض مع تصورها لخطة السلام الإقليمي الشامل؟!

المرّة القادمة اقترح أن يذهب أعضاء "السداسية العربية" إلى "بلينكن" باعتبار ذلك أحفظ لماء وجوههم، وذلك بدل أن يأتي هو إليهم، ويطلق تصريحاته الوقحة وهو بين ظهرانيهم، ويُظهرهم بمظهر المتخاذل أو العاجز، ثمّ يغادر غير عابئ بصورة هذه الأنظمة ومصداقيتها أمام شعوبها وأمام التاريخ!

ماذا سيقول التاريخ: لقد اغتُصبت نساء فلسطين بينما العرب، ومن ضمنهم منظمة التحرير الفلسطينية، يحضّرون مع "بلينكن" تصوّرا شاملا لخطة سلام إقليمية؟!