عاجل - اتفاقية المطار وسؤال مهم حول كيفية تعامل صانع القرار الاردني مع اية ترتيبات تتعلق بالمقاومة وغزة!
كتب كمال ميرزا -
أقلّب القنوات هربا من حَوَل الإعلانات وهَبَل المسلسلات الرمضانية. على قناة "ماسبيرو زمان" إعادة لمسلسل مصري قديم. يظهر في المشهد الفنان القدير "حمدي الوزير" أيام شبابه يتجادل مع زوجته.
من السياق تستشف أنّ "حمدي" يعمل مع والده في "ملاّحة" تمتلكها العائلة في إحدى الأرياف أو النجوع النائية، وكافّة عبء العمل يقع فعليّا على كاهل "حمدي" بحكم أنّ والده كبير في السن.
ولـ "حمدي" شقيق أكبر متعلّم مثقّف هو موضع حفاوة واحترام القرية، وهذا الشقيق يسكن في المدينة/ العاصمة، ولكنّه الآن قد عاد في زيارة إلى أهله بصحبه زوجته المدنيّة الطمّاعة التي منذ أن وطئت قدمها تراب القرية وهي تسأل وتستقصي وتتحرّى عن أملاك العائلة.
سرّ الجدال بين "حمدي" وزوجته أنّ الزوجة تلحّ عليه أن يقنع والده بكتابة عقد إيجار للملاّحة باسمه، بحيث تستمر الملّاحة بالعمل، ويستمر "حمدي" بالعمل في الملّاحة، ولا يستطيع أحد إخراجه منها في حال وفاة والده بعد عمر طويل.
للإنصاف، الزوجة لا تريد أن تحرم الشقيق الأكبر وزوجته من حقّهما في الميراث أو في إيراد الملّاحة، ولكنّها أيضا لا تريد أن يضيع تعب زوجها "حمدي" سدى وهو الذي أفنى زهرة شبابه وهو يكدّ ويعمل جوار والده بينما شقيقه الأكبر يدرس ويتعلّم ويرتقي في المدينة.
بكلمات أخرى، زوجة "حمدي" تريد عقد الإيجار باسم زوجها كنوع من "تثبيت الحقّ" لا أكثر.
هذا المشهد ذكّرني بما تسمّى اختصارا "اتفاقية المطار" الموقّعة بين الحكومة الأردنية و"الشركة الفرنسية"، والتي تقدّمت الحكومة بقانون لتعديلها وتمديدها لثلاثين سنة إضافية، وقام مجلس النواب بالمصادقة على هذا القانون بكل سلاسة وأريحية.. وذلك قبل ثماني سنوات كاملة على انتهاء مدّة الاتفاقية الأصلية؟
مَن هذا الذي يصرّ على تمديد اتفاقية قبل انتهائها بثماني سنوات، ويمدّدها لا لخمس سنوات أو عشر، بل إلى (30) سنة كاملة؟!
التفسير الوحيد هو أن يكون تمديد الاتفاقية هو من قبيل "تثبيت الحقّ" على غرار مسلسل "حمدي الوزير" أعلاه!
ولكن تثبيت حقّ لماذا؟ ما الذي تخشى "الشركة الفرنسية" أن يحدث خلال هذه السنوات الثمانية وتريد أن تحصّن نفسها منه وتحمي حقوقها إزاءه سلفا؟
كما نعرف رأس المال حريص جداً وشكّاك وبخيل وشحيح، وهو لا يُقدم على خطوة إلّا بعد أن يُشبعها دراسة وتحليلا وتمحيصا، وبعد استنفاد أساليبه ووسائله ومصادره للحصول على معلومات استباقية قد لا تكون متاحة لإطّلاع العامّة وكثير من الخاصّة!
ما الذي تعرفه الشركة الفرنسية ولا نعرفه نحن؟
أم أنّ الشركة تخشى مثلا أن تُفضي تقلّبات المنطقة وسياسات التحوّل السياسي المطبّقة في الأردن خلال السنوات القليلة القادمة إلى ترتيبات جديدة مصحوبة بتشكيل حكومات برلمانية/ حزبية قد تُبدي تشدّدا أكبر إزاء أي اتفاقيات أو امتيازات قائمة أو مُزمعة؟ الله يسمّعنا الأخبار الطيبة!
وبالمثل، مَن هو ذلك الشخص أو تلك الجهة في الأردن التي تمتلك من النفوذ أو قوّة الحُجّة ما يمكّنها من إقناع الحكومة بتمديد اتفاقية قبل ثماني سنوات من انتهائها، واقناع النوّاب بتمريرها بكل سلاسة وهدوء؟!
وهل يمكن إدراج اتفاقيات أخرى مشابهة أو قريبة تحت باب "تثبيت الحق" أيضا؟ ما تسمّى اتفاقية الدفاع المشترك بين الأردن والولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال؟!
الأميركان بحكم التعاون العسكري بينهم وبينهم الأردن كانوا يستطيعون على مدار سنوات استخدام القواعد والمرافق الأردنية بكل أريحيّة.. فلماذا الاتفاقية؟
طبعا لا بدّ في هذا السياق من توجيه جزيل الشكر إلى سعادة المهندس "سليمان أبو يحيى" على المجهود الكبير الذي بذله كنائبِ وطن، والأسئلة المهمة التي طرحها تحت القبّة في معرض مناقشته لمشروع قانون تمديد اتفاقية المطار، ولكن للأسف مجهود النائب "أبو يحيى" لم يؤتِ النتيجة المأمولة لسببين:
الأول، أنّ وسائل الإعلام والناس لم يتذكّروا ولم يركّزوا بعد كلّ الذي قاله "أبو يحيى" إلاّ على المشادّة الكلامية التي جرت في نهاية مداخلته بينه وبين رئيس مجلس النواب "أحمد الصفدي".
الثاني، أنّ الأسئلة التي طرحها النائب "أبو يحيى" على وجاهتها كانت "معرفيّة" إجرائية، في حين أنّ هناك عدد من الأسئلة "الانطولوجيّة" البنيويّة التي كانت أولى بالطرح والإجابة مثل: مَن هي الشركة الفرنسية أساساً حتى تحظى بكل هذه المعاملة التفضيلية؟ وهل هي حقاً شركة فرنسية؟ بمعنى هل هي مملوكة للحكومة الفرنسية؟ أم هي فرنسية لأنّها مسجّلة في فرنسا أو مملوكة لمستثمرين فرنسيين؟ مَن هم هؤلاء المستثمرين؟ وهل جميعهم فرنسيون أم أنّ هناك رأس مال مختلط عابر للقارّات والقوميات مشارك في هذه الشركة؟ ومن هم كبار المساهمين الذين تؤول إليهم الأرباح والعوائد في نهاية المطاف؟ وأين تودع هذه الأرباح؟ البنوك الأردنية؟ البنوك الفرنسية؟ واحات ضريبية بعينها؟ وإلى مَن تعود الولاية القانونية في حال طرأ خلاف قانوني بين الحكومة الأردنية والشركة؟ وهل القضاء الأردني هو صاحب الاختصاص أم أنّ هناك مرجعيات قانونية وقضائية أخرى؟
البعض عبّروا عن اندهاشهم من الطريقة التي تمّ خلالها تمرير وإقرار اتفاقية بمثل هذا الحجم من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية بدون "جلبة".. وأنا حقيقة مندهش من اندهاش هؤلاء!
بماذا تختلف هذه الاتفاقية عن سائر الاتفاقيات السابقة التي تم تمريرها وإقرارها منذ أن أوغلت الحكومات الأردنية المتعاقبة وصنّاع القرار المتعاقبين في سياسة "الخصخصة"، وبيع مقدّرات البلد وقطاعاته السيادية وثرواته الإستراتيجية، ووضعها تحت تصرّف وفائدة شركات خاصة أجنبية ومستثمرين أجانب؟!
هل نسينا مثلا دموع النائب السابق "أحمد الشقران" عقب جلسة النواب السريّة التي جرّت في حينه للتصويت على خصخصة شركة الفوسفات؟!
الذي مرّر جميع الاتفاقيات السابقة يمرّر هذه الاتفاقية!
ولكن ما علاقة كلّ هذا الكلام بغزّة؟!
ما قد يُقلق أي مواطن أردني منتمٍ وعربي مخلص ومسلم غيور هنا هو: إذا كان صانع القرار الأردني يتعامل بهذه البحبوحة مع اتفاقيات وامتيازات تتعلق بمقدّرات البلد وثرواته وسيادته ومستقبل أجياله ومصالحه الوطنية العليا.. فكيف سيتعامل إذا ما طُرحت على الطاولة صيغ وترتيبات واتفاقيات تتعلّق بغزّة والمقاومة ومجمل القضية الفلسطينية؟!