عاجل: قانون العفو العام .. الحكومة والنواب والأعيان يفرغون الإرادة الملكية من مضمونها
أحمد الحراسيس -
مرّة أخرى يفشل مجلس النواب التاسع عشر في تسجيل أي نقطة مضيئة خلال السنوات الأربع التي امتدّت منذ لحظة انتخاب أعضائه، بدءا من احتفالات أعضاء المجلس الذين نجحوا في الانتخابات ودفعت وزير الداخلية توفيق الحلالمة للاستقالة من موقعه بعد شهر واحد من تكليفه، وانتهاء بمشروع قانون العفو العام لسنة 2024 الذي عُرض للقراءة الأولى والمناقشة تحت القبة في جلسة واحدة شهدت اقراره دون اجراء أي تعديل عليه!
الغريب، أن كثيرا من النواب -وربما غالبيتهم- كان لهم مأخذ على مشروع القانون، وقال بعضهم إن الحكومة ضيّقت واسعا، وقال آخرون إن مشروع القانون الوارد من الحكومة خالٍ من الدسم، وإن الحكومة فرّغت التوجيه الملكي من مضمونه، لكنّ المجلس في النهاية أقرّ القانون كما ورد من الحكومة. بل أن النواب أنفسهم ضيّقوا الواسع أكثر من الحكومة!
خلال الجلسة، قرر النواب، وبشكل غير مفهوم ولا يخضع لأي منطق، أن يحددوا وقت حديث النائب في مشروع قانون يمسّ كلّ مواطن أردني بدقيقتين فقط لم تخلُ من تشويش سببه مقاطعات ونداءات رئيس المجلس أحمد الصفدي على النواب، ومُنع أيّ نائب من تجاوز هذه المدة القصيرة.
الكارثة، ليست في تفاصيل جلسة النواب وأدائهم، بل بالمنتج الأخير الذي صدر عن البرلمان، فقد تسبب هذا الأداء بوأد فكرة العفو العام التي أرادها الملك بمناسبة اليوبيل الفضي لتولّيه سلطاته الدستورية، ففلسفة العفو العام تقوم على طيّ صفحة قديمة بكلّ ما شابها من أخطاء ومشكلات وفتح صفحة جديدة، وهذا بالتأكيد يعني بالضرورة أن تكون قضايا الرأي على رأس القضايا المشمولة بالعفو العام، وأن يكون المعتقلون السياسيون أول المستفيدين من العفو العام، سيّما ونحن نتحدث عن حياة سياسية جديدة!
من غير المعقول أن يكون الإفراج عن الموقوفين في قضايا جنائية أولى من الإفراج عن الموقوفين في قضايا رأي جرى اعتبارها "جرائم الكترونية"؛ كيف يكون صاحب الرأي الموقوف وفق قانون الجرائم الالكترونية أكثر خطورة على المجتمع من قاتل أو سارق أو موقوف بقضية مخدرات؟!
الأصل بالعفو العام أن يأخذ بمبدأ تبييض السجون، وأن لا يبقى فيها إلا أصحاب الجنايات الأشدّ، ومكررو الجنح والجنايات لأكثر من مرة، أما أن يشمل العفو أقلّ من 35% من نزلاء السجون فهذا لا يمكن تسميته عفوا عامّا على الإطلاق.
اللافت أن اللجنة القانونية في مجلس الأعيان -الذي يُفترض أنه مجلس الملك وبيت الخبرة- أقرّت مشروع قانون العفو العام خلال اجتماع واحد كما وردها من مجلس النواب، وعلى الأغلب سيقرّ الأعيان مشروع القانون كما وردهم من لجنتهم القانونية، وكأن الهدف والمقصود من كلّ هذا عدم السماح بتشكّل رأي عام يضغط على السلطة التشريعية -سلطة الشعب- وهذا توجّه بدأنا نلمسه منذ اطلاق مشروع "تحديث المنظومة السياسية"، حيث سُلقت تشريعات المنظومة السياسية سلقا وبشكل اضطر الحكومة والنواب لإعادة فتح قانوني الانتخاب وأمانة عمان للتعديل بعد أقل من سنتين على اقرارهما، تماما كما سُلق قانون الجرائم الالكترونية..