عاجل: مسيرات الاردن.. بين الوطن البديل والهتاف البديل!


كتب كمال ميرزا - 

يتداول بعض مستخدمي السوشال ميديا مقطعا لأحد قادة الهتافات في مظاهرات الأردنيين لحصار سفارة الكيان الصهيوني في عمّان وهو يردّد هتافا بعينه، ويقولون أنّ الأجهزة الأمنية قد اعتقلته بسبب هذا الهتاف.

الهتاف يقول:

"وما بدّك وطن بديل.. ليش بتدعم إسرائيل"؟!

لا أظنّ أنّ مثل هذا الهتاف يمكن أن يؤدي بصاحبه إلى الاعتقال في الأردن، وفي حال اعتقاله فعليّا فهذا غالبا سوء تفاهم أو سوء تقدير آني، وسرعان ما سيتم تدارك الأمر وإطلاق سراح هذا الشخص بمجرد وصول الموضوع إلى المرجعيات الأمنية الأعلى.

فالقيادات الأمنية في الأردن لطالما تميّزت بالحصافة وبُعد النظر، وهي تتقن إدارة الشأن الإعلامي والدعائي بشكل ممتاز، وتدرك تماما تداعيات الاعتقال السلبية في مثل هذه الحالات على صورة الأردن أجهزةً وسلطات ونظاماً، وإظهارها بمظهر "المتشنّج" أو "المهزوز" أو "غير الواثق" أو "المتوجّس" أو الذي لديه ما يخشاه ويخفيه.

كما أنّ القيادات الأمنية تدرك خطورة إعطاء الآخرين فرصة لإظهار أنّ هناك تبايناً أو فجوةً أو شرخاً - لا سمح الله - بين الموقفين الشعبي والرسمي في الأردن إزاء حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزّة.

وأهم من هذا وذاك، أنّ القيادات الأمنية تدرك ضرورة الحفاظ على وحدة وتماسك وصلابة واستقرار الجبهة الداخلية الأردنية خلال هذه المرحلة الدقيقة والحسّاسة، وأهمية ذلك لدور الأردن وموقعه الإقليمي وموقفه التفاوضي أمام القريب والحليف قبل البعيد والخصم!

هذا الهتاف ذكّرني بمقال كتبتُه قبل حوالي (15) سنة بعنوان "الوطن البديل والاقتصاد البديل".

الفكرة الرئيسية من المقال كانت التحذير من أنّ موقف الأردن الرافض لفكرة الوطن البديل يجب أن يُعزّز من خلال البحث عن خيارات اقتصادية بديلة.. وذلك حتى لا يتم تسويق وفرض الوطن البديل وأي تراتيبات أخرى مصاحبة من بوابة العَوَز الاقتصادي والضرورة الاقتصادية!

والذي كان يستثير التوجّس حينها أنّ غالبية المشاريع الإستراتيجية الكبرى التي كانت تطرح على الطاولة، أو يتم الحديث عنها عبر وسائل الإعلام، كانت ذات طاقة استيعابية تفوق كثيرا حاجة الأردنيين الفعلية ومعدل زيادتهم السكانية الطبيعية لعشرات السنوات، والجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع كانت تقوم بشل أساسي على افتراض أعداد مستخدمين ومستفيدين غير موجودين فعليّا على أرض الواقع.

المهم أنّ المقال لم ينشر وقتها!

في ذلك الوقت كنتُ قد توقفتْ، أو بالأحرى أُوقفتْ، عن الكتابة في إحدى الصحف اليومية، لأسباب ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالسياسة، وإنما تتعلّق بالأمراض النفسية وضيقة العين والشلليات والمحسوبيات والأحقاد والضغائن التي يزخر بها الوسط الصحفي، والتي كنتُ للأسف لا أعرف عنها وعن كواليسها ودهاليزها شيئا بحكم أنّي غِرّ ساذج حديث العهد بهذا الوسط.

المهم، أيامها تغيّر رئيس التحرير، وأتى رئيس تحرير شاب كان يحظى بشعبية وثقة وتأييد بين جيل الصحفيين والكتّاب الشباب والأغرار.

حاولتُ جسّ نبض رئيس التحرير الجديد من خلال إرسال مقال للنشر.. فنشره.

ثمّ قمت بعد مدّة بإرسال مادة جديدة أطول، هي أقرب إلى مادة تقريرية متخصصة حول تعديلات قانون الانتخابات النيابية منها للمقال.. فنشرها.

ثم قمتُ بإرسال مقال "الوطن البديل والاقتصاد البديل".

الردّ المبدئي الذي وصلني كان الموافقة على المقال فورا وتحويله للنشر.. ثم انقضى يوم ويومان وأسبوع ولم ينشر المقال.. ثم "هاي وجه الضيف" كما يقول التعبير الشعبي الدارج!

بعدها بمدة وجيزة غادر رئيس التحرير الشاب موقعه هو الآخر، حيث تمّ اختياره من قبل مرجعيات عليا لتأسيس مؤسسة إعلامية جديدة في الأردن، تنافس نظيراتها العربية، وتنقل صوت الأردن ورسالته للآخرين، وتكون "بديلا" عن المشهد الإعلامي القائم!

بالعودة إلى هتّيفنا المسكين، فكما قلتُ رجاحة عقل وتفكير القيادات الأمنية الأردنية ستفضي غالبا إلى الإفراج عنه فورا، بل ويستطيع العودة للمشاركة في قيادة الهتافات، كلّ المطلوب ببساطة منه هو وزملائه الهتّيفة والجموع المردّدة وراءهم أن يجدوا لأنفسهم هتافات بديلة عن هتافات الوطن البديل!