غزّة، بماذا ألهمت التعليم ؟!


 لا تزال حرب غزة مستعرة بشواظ من لهب، وقد مرّ عليها ستة شهورعجاف لكن بكبرياء الشموخ، وتغير بسببها الكثير، وتهاوت بها عنجهية دولة الكيان، وتصدعت جبهتها الداخلية، وفقدت القيادة وحدة القرار، على الرغم من تدفق الإسناد المستمر،والمشاركة الفعلية بالرجال، والسلاح، والمال، والتغطية الدبلوماسية من دول الشرّ العالمية التي تتستر بغطاء حضارتها المزيّفة.وتلجأ اليوم لسلاح قذِروموبوء في تحريك أشخاصها المأجورين،
وأبواقها المسعورة، والمنتفعين منها، لغرس أسافين الفتنة في الدولة الأكثر دعما لغزة، أملا منها بالنيل من المجاهدين وظهيرهم القوي…..ويخيب ظنها بعون الله.

لقد تواتر الحديث عن أساطير حقيقية حول حرب غزة، وصلت حدًّا غير معقول، بل وغير مألوف في معايير المنطق والممكن، في صمودها الذي حفظ للأمة ماء الوجه، وبث فيها روح الحياة، وأعاد لها شموخ كرامتها التي أضاعتها منذ عقود.

وهذه الحرب غير المتعادلة عُدّة وعتادا وتقنية، أفرزت الناس فئات متعددة، فمنهم مع غزة، وهم الذين يضعون الأمور في نصابها الصحيح، ومنهم ضدّها، وأغلبية صامته بدأ يحركها ويستميلها كل طرف ببطء وحذر، وهناك الفئة الأخطر التي لها ألوان قزح تتسلق، وتبالغ في النفاق، وهي تركض وتلهث بدناءة وترخّص خلف مصالحها.

لله درك يا غزّة العزّة!! لقد بتنا بفضلك نشاهد بأم العين العالم وهو يتغير، ويعيد الألق والتفهم للقضية الفلسطينية مقابل تهاوي دولة الكيان الكرتونية، حيث بدأ حجم سيطرتها وسيطرة الحركة الصهيونية من خلفها يتراجع، وينحسر في عيون العالم، بما في ذلك أمريكا العظمى، بعد أن استفادت من بشاعة حادثة المحرقة وكسبت عطف العالم، لكن هذا التعاطف العالمي انقلب رأسا على عقب بعد أن تكشفت نازية هذا الكيان العنصري المزيف، وهو يمارس الفعل الأبشع في الإبادة الجماعية، والتهجير القسري لأهل غزة، وحرقها الأرض بما فيها ومَن عليها، وتلويث هوائها النقيّ الطاهر بسموم قنابلها.

لكن للأمانة والتاريخ نقول: إن السرطان الصهيوني انتشرفي كل أقطارنا، وعشعشت مفردات الاستسلام في أجسادنا، وانزلقت عقولنا نحو الطريق الخطأ بفعل فاعل أو أكثر، ومُسِخت مفاهيمنا التي عاش أجدادنا عليها، وعشنا بعض الوقت من أعمارنا على بقاياها، ووُجِّهت سلوكاتنا لخدمة المشروع الصهيوني. وهنا لا أريد الغوص في جلد الذات، فليس في هذا العالم كله مَن سلِم من شرّ الصهيونية التي تنكر على الآخر حق الحياة الكريمة!!

باركك الله يا غزّة الصمود، وأنت تنهضين بأمة العرب، والإسلام من سُباتها العميق، بعد سنين طِوال. لقد فعلت بكل فخر وكبرياء ما لم تفعله دول عظمى، فقد أيقظتِ قيم الكرامة والتحرر لدى شعوب الأرض المتعطشة للحرية والاستقلال، وأذللت كل أسباب العجرفة الإسرائيلية، ومن بينها إغراءات التطبيع من أجل الحماية. وهذا يعني أن حرب غزة قلبت الموازين، وغيرت اتجاه البوصلة عكسيّا تماما، فأفشلت كل أخاديد التآمر، وفضحت كل منافق ومُتاجر بالقضية.

من هنا، وأمام مشهد المواجهة الأسطورية التي يقوم بها المقاومون في غزة وفلسطين، ومن الموجَب على القائمين على أنظمتنا التربوية الوقوف والتأمل فيما حدث، ولا يزال يحدث من أجل الاستفادة من دروسها المعلنة، وغير المعلنة، ومن مجالات هذه الدروس ما يأتي:

1- مجال بناء الإنسان وفق قواعد صُلبة ومتينة، نحو استعادة الحرية والكرامة، وبناء بنية تحتية متعددة البدائل سرّية، وآمنة.

2- توظيف الفكر النقدي، وحل المشكلات لدى مواردنا البشرية، صاحبة الرؤى الاستراتيجية في العمل في المتاح لدينا من إمكانات، والقائمة على أرضنا وفوق تربتنا المعجونة بقيمنا الأصيلة، وقدراتنا الذاتية من أجل التحدي والوصول إلى إنجازات الغلبة، بل والتفوق المستند إلى روح التصميم، وبيع النفس بالنصر وفق قاعدة " الكف لا بدّ أن يواجه المِخرز ".

3- استثمار سلاح العدوّ في الإعلام الشامل، بذكاء وحِرَفية عن طريق توظيف علم النفس وعلم الاجتماع، والدراسات المتعمقة بديناميات الجماعة؛ من أجل تصديع جبهة العدو الداخلية، وتغليب مصالحه الشخصية على مصالح كيانه العليا، وزرع إغراءات النفاق والكذب في كسب الجولات، وإتقان التسلق القائم على أسس مغلوطة، من أجل نشر الحنق، والضغينة المفتتة لعزائم دولته المزيّفة.

4- بناء تحالفات إقليمية قائمة على مصالح متبادلة، نجدها وقت الضيق، وليست قائمة على رجاء بلا مضمون واقعي مثل: عروبة، وإسلام، وقومية.

5 - مراقبة دقيقة لضعاف النفوس الممكن شراؤهم من قبل العدو، والعمل على رصد تحركاتهم، وتعشيبهم.

6 - العمل الجماعي القائم على ديموقراطية الحوار، وإذكاء العقل، وترك اتخاذ القرار مستقلّا لقائد، أو قيادة من دون تبرّم أو تشكيك.