اغتيال طاقم "المطبخ العالمي" يفضح عمليات القتل الممنهج لجيش الاحتلال


فضحت حادثة اغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي لفريق إغاثي أجنبي في وسط قطاع غزة عمليات الإعدام الميداني، والقتل العشوائي، وعمليات الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها سكان قطاع غزة، منذ بداية الحرب على قطاع غزة قبل ستة أشهر، والتي راح ضحيتها أكثر من 100 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح.

وشكّلت الحادثة أول عملية استهداف مباشرة تنفذها قوات الاحتلال ضد فريق عمل دولي، بعد أن اقترفت مئات المجازر ضد الفلسطينيين، والتي تؤكد الجهات المختصة أن الإدانات الدولية لتلك المجازر لم تكن على المستوى المطلوب، حيث ظلت في إطار المناشدات والتعبير عن الإدانة، دون اتخاذ أي خطوات عملية، تجبر دولة الاحتلال على وقف حربها المستمرة.

كما جاءت حادثة اغتيال فريق عمل المطبخ المركزي الدولي بعد أقل من 24 ساعة على إنهاء جيش الاحتلال هجوماً هو الأكبر من نوعه منذ بداية الحرب، استهدف مشفى "الشفاء”، أكبر مشافي غزة، والمنطقة المحيطة به، إذ حوّلَ المشفى وتلك المناطق إلى كتل من الركام، بعد تدمير أبنية المشفى والعمارات المجاورة وحرق أخرى، وارتكاب مجازر دامية ضد الطواقم الطبية والمرضى ومرافقيهم، وكذلك سكان غرب مدينة غزة، أدت إلى استشهاد أكثر من 400 فلسطيني، بعضهم وجدت جثثهم متحللة، لسقوطهم في الأيام الأولى للعملية، وآخرون لا زالوا تحت الركام.

وقد أكد على ذلك ما أظهرته صور أقمار صناعية حديثة، حين بينت حجم الدمار الذي لحق بالمشفى والمنطقة المجاورة، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، وقد كان المرصد الأورومتوسطي قال إن التقديرات الأولية تظهر بأن الجيش الإسرائيلي دمر وحرق أكثر من 1200 وحدة سكنية في محيط مجمع "الشفاء” بغزة، وقتل 22 مريضاً على الأقل بفعل الحصار الإسرائيلي للمجمع، بعد أن تعمد حرمانهم من الرعاية الطبية اللازمة.

ووفق الإحصائيات الفلسطينية، فقد ارتكب جيش الاحتلال قبل هذه العملية، أكثر من 2,848 مجزرة ضد سكان غزة، أدت إلى سقوط 39,226 شهيداً ومفقوداً، بينهم 14,280 شهيداً من الأطفال، و9,340 شهيدة من النساء.

وليل الإثنين، قضى 7 أشخاص يعملون في المطبخ العالمي، منهم ثلاثة يحملون جنسيات بريطانية وبولندية وأسترالية، وقالت هذه المنظمة الإغاثية الدولية إن أحد الضحايا من فريقها يحمل الجنسيات الأمريكية والكندية والفلسطينية.

وأعلنت إدارة المطبخ العالمي أن فريقها كان يتنقل في قافلة تضم سيارتين تحملان شعاره، وآلية خفيفة، عند تعرضه للضربة.

وتؤكد هذه المنظمة الإغاثية أنها تنسق تحركاتها مع الجيش الإسرائيلي، ورغم ذلك تعرضت قافلتها للقصف أثناء مغادرتها مستودعها في دير البلح، بعد تفريغ أكثر من 100 طن من المساعدات الغذائية الإنسانية التي جُلبت إلى غزة عن طريق البحر.

وبينت الصور الضحايا وهم يرتدون شعار المؤسسة، كما أظهرت صور أخرى صاروخاً إسرائيلياً اخترق المركبة التي كانوا يستقلونها من الأعلى، رغم وجود شعار المؤسسة الإغاثية المعروف.

وتعد العملية واحدة من آلاف الغارات الجوية وعمليات القصف المدفعي والبحري، التي ترتكبها قوات الاحتلال منذ اليوم الأول للحرب ضد قطاع غزة، والتي توقع يومياً عشرات الضحايا.

وهذه المنظمة الإغاثية الدولية تشرف على تقديم مساعدات عينية من الأطعمة سواء المعلبة أو المطبوخة لآلاف الفلسطينيين، وكانت قد استلمت المساعدات الغذائية الأولى التي وصلت من الممر المائي، الذي افتتح في وقت سابق بين غزة، وكان تستعد لاستلام الدفعة الثانية من هذه المساعدات.

لكن الفلسطينيين يتطلعون حالياً لأن تشكل عملية الاغتيال الجديدة لهذا الفريق الإغاثي الأجنبي نقلة نوعية في شكل الإدانات الدولية، بأن تتحول من نسق الإدانة إلى تحرك عملي لوقف العدوان الذي يتعرضون له، خاصة أن استهداف الفريق الأجنبي، وهم يتحركون بعرباتهم الخاصة، بقصف جوي إسرائيلي جاء في خضم التهديدات الإسرائيلية بالاستمرار في الحرب، وتوسيع رقعتها لتصل إلى مدينة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، التي تؤوي أكثر من مليون نازح، علاوة على عدد سكانها، ما سيحدث مجازر أكثر دموية من تلك التي وقعت منذ بداية الحرب، حسب ما أكدت جهات ومنظمات دولية.

وهناك خشية من أن تكون عملية الاستهداف رسالة إسرائيلية مبطنة لفرق الإغاثة الدولية، من أجل تخويفها وإجبارها على ترك العمل في قطاع غزة، وهو ما سيزيد من حجم المأساة والجوع، خاصة أن هذه الفرق، سواء التابعة لمنظمات تابعة للأمم المتحدة، أو منظمات إغاثية أخرى، تساهم في تقديم الأطعمة للسكان، الذين يقتربون من المجاعة بحلول شهر يوليو القادم، في حال لم تتوقف الحرب، أو أن تغير سلطات الاحتلال من سياسة إدخال المساعدات الشحيحة لسكان غزة.

وزادت هذه المخاوف حين أعلن المطبخ المركزي العالمي، الذي يتخذ مقراً له في الولايات المتحدة، عن "تعليق” عملياته في المنطقة.

وقد طالب المكتب الإعلامي الحكومي، عقب حادثة اغتيال الفريق الأجنبي، بتوقف حرب الإبادة على غزة، التي تشنها إسرائيل بأسلحة دول أجنبية، مندداً في ذات الوقت بالعملية، ودعا المنظمات الدولية إلى إدانتها، وتحميل إسرائيل المسؤولية كاملة.

وذكر المكتب الإعلامي الحكوميّ أن هذه "المجزرة ضد فريق الإغاثة جاءت بعد جريمة اقتحام مجمع الشفاء"، لافتاً إلى أن الاحتلال "يحاول تصدير رواية كاذبة للعالم”، متهماً جيش الاحتلال بـ "تعمّد ارتكاب المجازر”، وقال: "الجريمة التي ارتكبها الاحتلال هي رسالة للعواصم الغربية”.

وأدانت حركة "حماس”، بأشد العبارات، استهداف جيش الاحتلال للعاملين في المطبخ المركزي العالمي، وقالت: "إن هذه الجريمة تؤكّد مجدداً أن الاحتلال لا زال يصر على سياسة القتل الممنهج ضد المدنيين العزل، وضد فرق الإغاثة الدولية والمنظمات الإنسانية، في إطار مساعيه لإرهاب العاملين فيها، لمنعهم من مواصلة مهامهم الإنسانية”.

وطالبت المجتمع الدولي ومجلس الأمن بـ "إدانة هذا الفعل الشنيع، والتحرك لوضع حد لجرائم الاحتلال وعدوانه على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”.

وكان الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال قد زعم أن جيشه يحقق في ملابسات الحادث.

لكن الطاهي العالمي خوسيه أندريس، رئيس المطبخ المركزي العالمي، حَمّل إسرائيل المسؤولية عن مقتل موظفي المؤسسة، وطالبها بوقف القتل العشوائي للمدنيين وموظفي وكالات الإغاثة الدولية.

وقال في منشور على منصّة "إكس” إنّ المنظمة "فقدت عدّة من أخواتنا وأخوتنا في غارة جوية للجيش الإسرائيلي في غزة”، وقدّم التعازي إلى "عائلاتهم وأصدقائهم وعائلة المطبخ المركزي الدولي بأكملها”، وقال: "قلبي مكسور وحزين”.

كذلك نقل عن إيرين جور، الرئيس التنفيذي لهذه المنظمة، القول: "هذا ليس هجوماً على المطبخ العالمي فحسب، وإنما على المنظمات الإنسانية التي تظهر في أسوأ المواقف، حيث يُستخدم الغذاء سلاح حرب”، مؤكدة أن الأمر "لا يغتفر”.

وقد أعربت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان ووتسون عن قلق الولايات المتحدة من حادث مقتل موظفي المطبخ المركزي العالمي بقطاع غزة.

وشددت على وجوب أن يكون عمال الإغاثة الدولية في أمان، وطالبت إسرائيل بإجراء تحقيق عاجل في ملابسات الحادث المؤسف.

يشار إلى أن قوات جيش الاحتلال شنت بعد عملية استهداف الفريق الأجنبي، العديد من الغارات الدامية، التي راح ضحيتها عدد من الفلسطينيين.

وأعلن ناطق باسم جيش الاحتلال أن الطيران الحربي نفذ، خلال الأربع وعشرين الماضية، خمساً وعشرين غارة على أهداف في قطاع غزة، كما أعلن استمرار العملية العسكرية البرية في مدينة خان يونس جنوب القطاع.

وأعلنت مصادر طبية، يوم أمس، أن حصيلة العدوان الإسرائيلي، المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، ارتفعت إلى 32845 شهيداً.

وأضافت أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 75392، فيما لا يزال آلاف المواطنين في عداد المفقودين تحت الأنقاض وفي الطرقات.



(القدس العربي)