واجهات براقة ومضمون ضائع: كيف أصبحت الممارسات البحثية اللاخلاقية ديكورات للتصنيفات الجامعية
كتب ا د هاني الضمور
في الحقبة الحديثة من السعي نحو الريادة الأكاديمية والشهرة، يظل البحث العلمي المتميز - ذلك الذي يوسع آفاق المعرفة ويخدم الإنسانية - هدفاً نبيلاً يتم تغافله. بدلاً من ذلك، نجد الجامعات تسير في دربٍ يُظلله البريق الزائف، حيث تُستغل الأبحاث كواجهات للتألق في التصنيفات العالمية ولتعيين أكاديميين قد لا يُعرف عنهم سوى عدد المقالات المنشورة باسمهم، دون اعتبار لمسيرتهم العلمية أو لجوهر إسهاماتهم الحقيقية في المجال العلمي.
الجامعات، هذه المنابر التي كان يُنتظر منها أن تكون منارات للفكر والمعرفة، أصبح بعضها يُعلي من شأن الكم على حساب الكيف، متجاهلين أن البحث العلمي ليس مجرد سلعة يُتاجر بها للتباهي بالتصنيفات. هناك حقيقة مُرة باتت تطغى على الساحة الأكاديمية: الاهتمام بتعيين باحثين يُزينون السير الذاتية بأعداد الأبحاث المنشورة، متجاهلين فشل بعضهم في تقديم مساهمات علمية جوهرية. وحتى عندما يُوجه إليهم السؤال حول جدوى إنتاجهم العلمي، يجدون سبلًا للتهرب من الإجابة، وذلك بفضل الصورة الخداعة التي رُسمت لهم.
يجب أن نُعيد النظر في ما نقيس به النجاح الأكاديمي ونُرسي قواعد جديدة تُعلي من شأن الجودة والمضمون على حساب الواجهة البراقة. لا بد من العمل على نظام يُكافئ الأصالة ويُقدر الإنجازات الفعلية، نظام يعترف بالمجهود الحقيقي ويُثمن الابتكار والنزاهة العلمية. يتعين علينا أن نُفكر ونُطالب بتغيير يضمن للعلم مكانته الرفيعة وللعلماء الحقيقيين الاعتراف الذي يستحقونه، من أجل مستقبلٍ يشهد تقدمًا معرفيًا يعود بالنفع على البشرية جمعاء. علينا أن نشجع مجتمعاتنا الأكاديمية على التحلي بالشجاعة لتسليط الضوء على الممارسات اللاخلاقية ومواجهتها بقوة. فالتغيير لا يبدأ إلا حين نقف صامدين في وجه الزيف ونؤمن بقوة التغيير من الداخل.
لن يتحقق التغيير المنشود إلا بجهود جماعية من الأكاديميين، الإداريين، والطلاب. يجب على الجميع العمل معًا لخلق بيئة ترعى الأمانة العلمية وتعاقب على الإنتاج العلمي المُبتذل. إن الوقت قد حان لتبني مقاييس تقييم تكافئ الابتكار والنوعية، لا النشر لمجرد النشر.
إذا ما أردنا للعلم أن يحتفظ بقيمته كمورد للتطور والتقدم البشري، يجب أن نعيد النظر في كيفية قياس النجاح. لنجعل الجامعات منارات للتعلم الحقيقي والبحث الرصين، ولنرفض أن تصبح مجرد مطاحن للأبحاث تُنتج أوراقًا بلا روح أو معنى.
نحن بحاجة إلى ثورة في التعليم العالي تُعيد الاعتبار للتميز الحقيقي وتحتفي بالمساهمات العلمية التي تثري معارفنا وتحسن مجتمعاتنا. علينا أن نتحد سويًا لإعادة صياغة مستقبل البحث العلمي، مستقبل يتسم بالشفافية والنزاهة والعدالة. فلنكن جميعًا جزءًا من هذه الحركة التغييرية، من أجل مستقبل علمي يُحترم فيه الجهد والابتكار، ويُقدر فيه كل باحث على حقيقته، ليس بعدد الأوراق التي ينشرها، بل بعمق الأثر الذي يتركه في تحسين حياة الناس وتقدم المجتمع الإنساني.