عاجل عن الردّ الإيراني والخوف الذي "بقطّع الرُكَب"
كتب: كمال ميرزا
يقول التعبير الشعبي: "الخوف بقطّع الركب"، فهل الخوف من الردّ الإيراني على هجوم القنصلية الإيرانية في دمشق هو السبب وراء اللوثة العالمية المفاجئة نحو إرساء وقف فوري لإطلاق النار في غزّة، وإبرام اتفاقية تبادل، وزيادة إدخال المساعدات والمواد الإغاثية إلى شمال القطاع، والتلويح بوقف واردات الأسلحة والذخائر إلى الكيان الصهيوني، بل والتلويح باتخاذ تحرّكات دبلوماسية وقانونية وجنائية جادّة ضد قادة الكيان ومسؤوليه أمام المحافل الدولية؟
طبعا الخوف ليس مردّه أنّ إيران بالموازين العسكرية الصرفة قادرة على الوقوف وحدها أمام الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وحلفائهما، أو أنّ الولايات المتحدة بالموازين العسكرية عاجزة عن هزيمة إيران أو إلحاق دمار كبير بها.
الخوف مردّه المصالح.
فحروب أميركا وحلفائها هي أولا وأخيرا حروب مصالح اقتصادية، وكيان الدول وفق المنظومة الرأسمالية الغربية هو في خدمة هذه المصالح الاقتصادية، والسياسي والعسكري في الغرب هو قفاز للاقتصادي، والكيان الصهيوني نفسه منذ تأسيسه هو واجهة للمشروع الرأسمالي الإمبريالي الغربي في المنطقة.
ودولة مثل إيران، وإن كانت لا تمتلك نظريا القدرة على تدمير أميركا، إلا أنّها في نفس الوقت قوية بما يكفي لكي لا تغرق إلا وقد أغرقت معها جميع المصالح الأميركية في المنطقة، سواء من خلال استهداف القواعد الأميركية والتواجد العسكري الأميركي، أو من خلال استهداف المضائق والموانئ وآبار النفط وسائر المرافق والموارد الحيوية التي تغذّي الاقتصاد والهيمنة الأميركيين!
كما أنّ دخول إيران في حرب مفتوحة في المنطقة سيؤدّي إلى انخراط قوى دولية أخرى في الصراع بشكل أكبر، حتى لو بقي ذلك بطريقة غير مباشرة، وفي مقدّمتها الصين التي تعتمد ماكينتها الصناعية بشكل كبير على واردات النفط الإيرانية، وروسيا التي تعتبر إيران حليفا أساسيا لها ضد الحرب بالوكالة التي يشنّها عليها "الناتو"، والتي تتفلّت من أجل ردّ الصفعة التي تمّ توجيهها إليها من خلال هجوم "كروكوس" بموسكو.
وربما تكون جميع هذه التحليلات غير صحيحة، وأنّ الحديث عن وقف إطلاق النار وإبرام اتفاق تبادل هو جولة جديدة من جولات "المطمطة" و"شراء الوقت" بدماء الفلسطينيين، لحين اختمار الخطط البديلة التي تحاول الولايات المتحدة إرساءها، والتي يعتبر الميناء العائم جزءا أساسيا منها.
أو قد تكون محاولة لإنقاذ الكيان الصهيوني من ورطته، وإعطائه فرصة للنزول عن الشجرة بما يحفظ ماء وجهه، ومنحه عن طريق الحراك الدبلوماسي والأممي والإقليمي ما عجز عن تحقيقه في الميدان، وإظهاره بمظهر المنتصر أو على الأقل غير المهزوم.
جميع هذه السيناريوهات ممكنة، ولكن الشيء الأكيد أنّ اللوثة الحالية تجاه التهدئة والتسوية والإغاثة ليست "نوبة شرف" مفاجئة انتابت جميع الدول والأنظمة التي وقفت على مدار الشهور الستة الماضية تتفرج بينما الكيان الصهيوني يُمعن في جرائمه ومذابحه، وتنفيذ مخطط الإبادة والتهجير بلا هوادة أو رحمة أو وازع أو رادع!
بقي هناك أنّ على إيران أن تتوخى في ردّها الحذر الشديد في حال وقع هذا الردّ، ففي الأنباء أنّ الكيان الصهيوني قد قام بإخلاء سفاراته في (7) بلدان من بينها البحرين والأردن ومصر والمغرب وتركيا تحسباً للردّ الإيراني المتوقّع.
وأكبر حماقة يمكن أن ترتكبها إيران هي القيام بردّها على تراب إحدى هذه الدول، وبشكل خاص الأردن ومصر.
وفي حال قامت إيران بذلك فإنّها ستقدّم للكيان الصهيوني وأعوانه هديةً لا تقدّر بثمن، وستضع نفسها موضع الشكّ والاتهام أنّها شريك في عملية الاستقطاب والفرز والتحشيد وإثارة القلاقل التي عملت الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني ومَن لفّ لفيفهما بجِدٍ على تكريسها في المنطقة على مدار العقود الماضية.
بل إنّ إيران معنيّة بتوجيه رسائل صريحة تتضمن تطمينات وضمانات لهذه الدول بعدم اتخاذ أراضيها مسرحاً لأي ردّ مزمع من قبلها، وذلك لسدّ الطريق أمام أي جهات مشبوهة أو مُغرِضة لافتعال أحداث أمنية ما، وإلصاقها بظهر إيران، من أجل خلط الأوراق، وإثارة فتن، وتفريغ الردّ من مضمونه وجدواه، وتخفيف الضغط على الكيان الصهيوني المأزوم وعصابة حربه الإجرامية.