عاجل الردّ الإيراني.. وأبناء هنيّة.. واليأس الصهيوني!


كتب: كمال ميرزا

بعد أكثر من ستة أشهر من حرب الإبادة والتهجير الهمجيّة التي يشنّها الكلب المسعور "نتنياهو" وعصابة حربه الإرهابية باسم المجتمع الصهيوني المتطرّف.. فإنّ حصيلة ما استطاعوا تحقيقه لغاية الآن يمكن تلخيصه بكلمة واحدة: اليأس!

ليس فقط اليأس من تحقيق المخططات التي كانت تُحاك لأهالي غزّة والشعب الفلسطيني ومجمل القضية الفلسطينية قبل "طوفان الأقصى"، حيث أتى الطوفان ليسلب الكيان الصهيوني وأسياده وأتباعه المبادرة، ويبعثر حساباتهم، ويصعّب مهمتهم، ويزيد من كلفة الأثمان التي ينبغي عليهم دفعها..

وليس فقط اليأس من تحقيق الأهداف المعلنة أو المزعومة للحرب: تحرير الأسرى وإنهاء خطر المقاومة..

وليس فقط اليأس حتى من العودة لنقطة ما قبل (7) أكتوبر كأضعف الإيمان من حيث قواعد الاشتباك وتوازن الردع..

بل قبل هذا كلّه اليأس من النجاة، لا من المحاكمة الجنائية أو انتهاء المستقبل السياسي (يا محلى هكذا مصير!)، بل النجاة بالمعنى الحرفي للكلمة، أي تلافي نقطة يصبح معها اغتيال "نتياهو" وأركان حكومة حربه هو الحلّ الأمثل بالنسبة لجميع الأطراف!

لذا فإنّ طوق النجاة الوحيد أمام المسعور "نتنياهو" قد بات أكثر من أي وقت مضى هو توسيع الحرب، ولا شيء سوى توسيع الحرب، وتوريط الجميع، الحليف والصديق قبل "العدو"، في حرب إقليمية لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمداها وأبعادها ومآلاتها!

من هنا يأتي انتظار "نتنياهو" وعصابة حربه الردّ الإيراني على أحرّ من الجمر، بل ومحاولتهم ابتزاز إيران إعلامياً، والضغط عليها وإحراجها أمام جمهورها كي تُقدِم على ردّها اليوم قبل الغد، مانحةً "نتنياهو" وعصابته طوق النجاة الذي يحلمون به.

ومن هنا يأتي تمهّل إيران في الردّ على الرغم من استنفارها واستعدادها له، واتباعها أسلوب "الوتر المشدود"، وذلك لترك الحلقة تضيق حول رقبة "نتنياهو" وعصابته أكثر، واستنزاف أعصابهم أكثر، ودفعهم للمزيد من التخبّط والتهوّر وفقدان التوازن والتركيز.
 
وفي حال استمرّت وتيرة التوتر والترقّب على نفس المنوال، فلن يكون مستغرباً أن يفقد "نتنياهو" وعصابة حربه صوابهم، ويبادروا من طرفهم بالتصعيد والهجوم دون حتى انتظار الردّ الإيراني، أو ربما اللجوء لـ "فبركة" ردّ وإلصاقه بظهر إيران لاتخاذه ذريعة من أجل بدء الحرب و"الهروب للأمام" ولو على حساب تفجير المنطقة وإغراق الجميع!

إقدام الكيان الصهيوني على اغتيال أبناء "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يمكن قراءته في ضوء نفس الكلام أعلاه.

فأبناء هنيّة وأحفاده قد كانوا هدفا متاحاً أمام ماكينة الإجرام الصهيونية منذ اليوم الأول للحرب، فلماذا الآن فقط اختار "نتنياهو" وعصابة حربه اتخاذ قرار باستهدافهم وإلحاقهم بركب آلاف الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين سبقوهم؟

الإجابة ببساطة هي التصعيد وسدّ الطريق أمام أي أفق للتسوية.

ليس المقصود هنا إفشال مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار، فالجميع يعلم أنّ هذه المفاوضات فاشلة سلفاً، وأنٌها مجرد محاولة صهيونية سمجة للمماطلة والتسويف وشراء الوقت بدماء الفلسطينيين.

المقصود هنا هو مسألة أبعد من ذلك؛ فمنذ إنطلاقة "طوفان الأقصى" كان هناك مَن يحاولون الترويج لوجود انقسام بين الجناحين السياسي والعسكري لحركة حماس، وأنّ الجناح العسكري في الداخل قد "ورّط" الجناح السياسي في الخارج دون علمه أو التنسيق معه أو أخذ موافقته المسبقة.

والمروجّون لهذه الرواية كانوا يأملون من خلالها افتعال وقيعة وإحداث شرخ يستطيون النفاد منه، و"إقناع" الجناح السياسي بالترهيب أو "الترغيب" بقبول تسوية ما، و"فرضها" على الجناح العسكري في الداخل كأمر واقع دون علمه أو أخذ موافقته المسبقة.

ولكن مع استشهاد أبناء وأحفاد هنيّة بالطريقة التي تم اغتيالهم بها، فإنّ هذا المدخل للتسوية قد سدّ تماماً، سواء أكان الانقسام المزعوم حقيقياً، أو أنّه ضرب من تقاسم الأدوار وتنويع الخيارات التفاوضية وحفظ خط الرجعة!

"نتنياهو" وعصابة حربه يريدون حرباً إقليمية الآن بأيّ ثمن، وهم في غمرة سعارهم نحو تفجير مثل هذه الحرب لا يدركون أنّهم هم وحلفاءهم وأعوانهم سيكونون كنسبة وتناسب أكبر الخاسرين.

وإيران شأنّها شأن كامل محور المقاومة تدرك ذلك تماماً، لذا هي بتمه‍ّلها في الردّ لا تريد إنقاذ الكيان الصهيوني من نفسه وإعفائه من مغبّة وتبعات نشوب حرب إقليمية، بل تريده أن يُقدم على آخر خطوة غبية مطلوبة منه بهذا الخصوص: أن يُبادر هو بإطلاق الرصاصة الأولى لهذه الحرب!

وحلفاء الكيان الصهيوني يدركون ما تدركه إيران والمقاومة، لذا هم في سباق مع الزمن حتى وإن لم يكن هذا ظاهراً للعيان: هل سينجحون في سحب علبة الثقاب من يد المجنون "نتنياهو" وهم الذين وضعوها في يده ومكّنوه منها؟ أم أنّ نار مخططاتهم ومؤامراتهم ستحرقهم وتحرق نفوذهم ومصالحهم في المنطقة قبل أن تحرق "أعداءهم" وخصومهم المباشرين وغير المباشرين؟!

الحالتان الوحيدتان اللتان يمكن أن تبادر فيهما إيران وفق السياق الحالي بإطلاق الرصاصة الأولى هما:

أولاً، أن يكون ردّاً محدوداً من أجل حفظ ماء الوجه بموافقة أميركية وإقليمية ضمنية في ضوء تفاهمات يتم التوصل إليها تعكس واقع الحال على الأرض، وبطولات وإنجازات المقاومة، وإخفاقات الكيان الصهيوني.

ثانياً، أن يكون ردّاً واسع النطاق على طريقة "عليّ وعلى أعدائي" في حال استقر يقين إيران بدنو الخطر وحسم الولايات المتحدة قرارها بالذهاب بالشوط حتى آخره في الدفاع عن نفوذها وهيمنتها وربيبتها "إسرائيل" ورفض تقديم أي تنازلات بهذا الخصوص!