الحكومة تفتعل ازمة مع قناة المملكة اثر انكشاف العجز الاعلامي الرسمي في ليلة الرد الايراني!
كتب أحمد الحراسيس -
على نحو غير مفهوم وغير متوقع، قامت حكومة الدكتور بشر الخصاونة عبر هيئة الإعلام بإحالة "قناة المملكة"، وهي قناة رسمية، إلى النائب العام، إثر نشرها خبرا يشير إلى "رفع حالة الطوارئ في كافة محافظات الأردن" وذلك بالتزامن مع بدء "الهجوم الايراني" بمئات الصواريخ والمسيّرات الموجّهة إلى الكيان الصهيوني.
يمكننا القول إن الخبر الذي بثّته قناة المملكة لم يكن مثيرا للقلق بقدر القلق والأسئلة والشكّ الذي أثاره غياب الرواية الرسمية الحكومية في هذا الظرف الدقيق، بل إن خبر المملكة كان مطمئنا أكثر من كونه مربكا، ففي تلك الليلة، استنفر العالم كلّه بانتظار "الردّ الايراني"، وتأهبت دول الاقليم، وسادت حالة من الترقب والتوتر والقلق إزاء "هجوم ايراني لا تُعرف ماهيّته ولا دقته"، وكان من الطبيعي أن ترفع دول المنطقة حالة الطوارئ لديها، وهذا شيء لا يعيبها، فالجهوزية وتوقّع كلّ السيناريوهات والاستعداد لها هي اجراءات يجب أن تتخذها الحكومات في الظروف المشابهة.
إعلاميا، تعاملت الحكومة مع هذه الأزمة وكأن أحداثها ستقع في جزر المالديف، فتركت الفضاء العام والناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي ينشرون ويتداولون مقاطع الفيديو والأخبار والاشاعات دون تعليق، باستثناء تصريحين وحيدين جاءا للردّ على أخبار وشائعات نُشرت دون تمحيص؛ الأول نفي اعلان حالة الطوارئ، والثاني نفي تعطيل المدارس.
الحكومة لم تتعاطى مع مخاوف الأردنيين الذين عاشوا وضعا غير مسبوق؛ الأجسام الطائرة -كما وصفتها الحكومة- تمرّ من فوقنا، ونشاهدها ونسمع أصوات تفجيرها، ويجري تداول مقاطع فيديو تتحدث عن سقوط أحدها في حيّ سكني، وكلّ هذا يحدث في ظلّ غياب للرواية والتعليق الرسمي!
المشكلة أن الصمت الحكومي كان غير استراتيجي، فقد تركت وسائل التواصل الاجتماعي نهبا للاشاعات والتكهنات، وتجاهلت كلّ ما يُنشر ويُتداول من مقاطع فيديو لاصطياد المسيّرات في سمائنا، ولم تُصرّح بشيء. فلا يكفي أن يقوم الوزير المعني بتسريب بعض المعلومات لوسائل إعلام بعينها، الأصل أن يكون هناك غرفة عمليات وخلية عمل تعمم البيانات وتجيب الجميع على الاستسفارات.
اللافت أننا وقبل إعلان اغلاق الأجواء الأردنية أمام حركة الطيران تتبعنا الصفحة الرسمية للمركز الوطني للأمن وادارة الأزمات، فهو المركز الذي أنشئ للتعامل مع الظروف الاستثنائية، لكنّ متابعة الصفحة لم تكن لتقدّم أي قيمة مضافة، فلا أخبار أو متابعات حديثة باستثناء خبر "نفي إعلان حالة الطوارئ".
أما ذروة العجز الحكومي في التعامل مع تلك الأزمة، فقد تمثّلت بقيام الحكومة بالطلب من هيئة الإعلام تحريك دعوى ضدّ قناة المملكة بعدما توقّفت هذه الظاهرة منذ سنوات طويلة لعدم اختصاصها، فهذا الأمر ليس من المهامّ المناطة بالهيئة ولا من صلاحياتها. كما أن تحريك دعوى ضدّ وسيلة إعلام رسمية واحدة وتجاهل تحريك دعاوى ضدّ عشرات وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية والعربية والدولية الأخرى التي بثّت ذات الخبر.
الأصل بالحكومة أن تبحث عن مصدر هذا الخبر الذي جرى توزيعه على عدد من وسائل الإعلام، ومحاسبة المصدر الرسمي الذي نقلت عنه وسائل الإعلام هذه المعلومة، رغم أنها معلومة لا تستحقّ كلّ هذه الضجة والاستنفار.
صحيح أن "أزمة الردّ الايراني" مرّت بردا وسلاما على الأردنيين، ولم تقع أضرار مادية تُذكر، لكنّها مناسبة كي نراجع الأداء الرسمي في التعامل مع الأزمات، وتحديدا التعاطي الإعلامي، فكما أن الجهة صاحبة الاختصاص المباشر تتحضّر وتتأهب وتتجهّز، فإن الحكومة يجب أن تستعد أيضا إعلاميا ودبلوماسيا وأمنيا، وأن تتشكّل غرفة عمليات لادارة الإعلام، وأن لا يُترك الفضاء لاجتهادات قد تصيب أو تخطئ، ولا يُترك الفضاء نهبا للاشاعات والأخبار المغلوطة.