عاجل قانون الانتخاب: ومبدأ تكافؤ الفرص بين القوائم الحزبية المغلقة والقوائم المحلية


كتب نوفان العجارمة - من خلال إستقراء أحكام قانون الإنتخاب لمجلس النواب رقم (4) لسنة 2022، يتبين لنا بأن المشرع قسم - بموجب المادة  8 من القانون - المملكة إلى ثماني عشرة دائرة انتخابية محلية ودائرة انتخابية عامة واحدة على مستوى المملكة، وخصَّص لها جميعاً (138) مقعدًا، ووفقاً للفقرة (ج) من تلك المادة خُصّص للدائرة الانتخابية العامة وفقاً لنظام القائمة النسبية المغلقة (41) مقعداً تشكّل بقوائم حزبية.  

 ووفقاً لأحكام المادة (71) من ذات القانون، يراعى عند انتخاب المجلس النيابي الحادي والعشرين أن تكون نسبة المقاعد المخصّصة للأحزاب والتحالفات الحزبية ما نسبته (50%) حدّاً أدنى من مقاعد مجلس النواب، ويُراعى عند انتخاب المجلس النيابي الثاني والعشرين زيادة المقاعد المخصّصة للأحزاب والتحالفات الحزبية لتصل إلى ما نسبته (65%) حدّاً أدنى من تلك المقاعد.

 ويتبين لنا من خلال هذه النصوص اتجاه إرادة المشرع الصريحة إلى قصر نسبة الثلثين من مقاعد مجلس النواب -بنظام القوائم الحزبية المغلقة - على المنتمين للأحزاب السياسية دون غيرهم، وترك التقدم للترشيح بالنسبة للثلث الباقي المخصص للانتخاب بالنظام الفردي (القوائم المحلية) متاحاً أمام المنتمين لتلك الأحزاب إلى جانب المستقلين غير المنتمين لأي منها،  وبالتالي منح  المنتمين للأحزاب بالخيار بين سبيلين للترشيح لعضوية مجلس النواب، هما القائمة الحزبية و القائمة المحلية (النظام الفردي) ، في حين قصر حق المستقلين على نسبة الثلث المخصصة للنظام الفردي والذي يتنافس معهم فيها المنتمون للأحزاب. 

الذي يطرح نفسه في هذا المقام: هل يتوافق مسلك المشرع الأردني مع الدستور وخصوصاً المادة (6) منه وما نصت عليه صراحةً من مبادئ، ومنها مبدأ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص؟ 

 نجيب على ذلك بالنفي المطلق وللأسباب التالية:  
1. بالرجوع إلى أحكام الدستور الأردني نجده تبنى مبدأ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص في المادة (6) منه، وفي الوقت نفسه، لم يتضمن الدستور نصاً - في المادة (67) منه - على إلزام المواطنين بالانضمام إلى الأحزاب السياسية أو تقييد مباشرة الحقوق السياسية وخاصةً حقي الترشيح والانتخاب بضرورة الانتماء الحزبي، مما يدل بحكم اللزوم على تقرير حرية المواطن في الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو عدم الانضمام إليها، وفي مباشرة حقوقه السياسية المشار إليها من خلال الأحزاب السياسية أو بعيداً عنها.

 ولا شك أن مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، يوجبان معاملة المرشحين كافة معاملة قانونية واحدة، وعلى أساس من تكافؤ الفرص للجميع دون أي تمييز يستند على الصفة الحزبية، إذ يعتبر التمييز في هذه الحالة قائماً على أساس الاختلاف في الآراء السياسية، وهو الأمر المحظور دستورياً، إذ لا يصح أن ينقلب النظام الحزبي قيداً على الحريات والحقوق العامة التي تتفرع عنها، ومنها حق الترشيح، وهو من الحقوق العامة التي تحتمها طبيعة النظم الديمقراطية النيابية، ويفرضها ركنها الأساسي الذى يقوم على التسليم بالسيادة للأمة (الشعب الأردني)  وفقا لنص المادة (24) من  الدستور. 

 2. لقد حرص المشرع الدستوري على كفالة الحقوق السياسية للمواطنين جميعاً، وقوامها حقا الترشيح والانتخاب - انتخاباً عاماً سرياً ومباشراً - وتمكينهم من ممارستها ضماناً لإسهامهم في الحياة العامة، وباعتبارها إحدى الوسائل الديمقراطية للتعبير عن آرائهم واختيار ممثليهم في تكوين المجالس النيابية، ومن ثم تعد ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية، وعلى وجه الخصوص حقا الترشيح والانتخاب أحد أهم مظاهرها وتطبيقاتها، سواء كان ذلك بوصفهم ناخبين يتمتعون بالحق في اختيار مرشحيهم على ضوء اقتناعهم بقدرتهم على التعبير عن القضايا التي تهمهم، أم بوصفهم مرشحين يناضلون، وفق قواعد منصفة، من أجل الفوز بالمقاعد التي يتنافسون للحصول عليها.

 وإن ممارسة المشرع لسلطته التقديرية في تنظيم هذين الحقين رهناً بالتقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، وبحيث لا يجوز له التذرع بتنظيم العملية الانتخابية، سواء بالنسبة لزمانها أو مكان إجرائها أو كيفية مباشرتها، للإخلال بالحقوق التي تضمنها الدستور، بما يعطل جوهرها أو ينتقص منها أو يؤثر في بقائها أو يتضمن إهداراً أو مصادرةً لها. 

3. من المقرر  فقهاً وقضاً  بأن مبدأ المساواة أمام القانون - الذي قررته المادة (6) من الدستور - ليس مبدأً تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء، وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد أو توقياً لشر تقدر ضرورة رده، وكان دفعها للضرر العام بالضرر الخاص والاشد بالأخف لازماً ، إلا أن تطبيقها لمبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدواناً معبراً عن بأس سلطاتها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفاً.

 ومن الجائز - تبعًا لذلك - أن تغاير السلطة التشريعية - وفقاً لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة ، ولا ينتقص من محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، كان التمييز انفلاتاً لا تبصر فيه، كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، فإن التمييز يعتبر عندئذ مستنداً إلى وقائع يتعذر أن يحمل عليها، ولا يتوافق واحكام الدستور.  

4. إن التعددية الحزبية تستهدف أساساً الاتجاه نحو تعميق الديمقراطية وإرساء دعائمها في إطار حقي الانتخاب والترشيح اللذين يعتبران مدخلاً وقاعدة أساسية لها، ومن ثم كفلهما الدستور للمواطنين كافة، كون التعددية الحزبية تحمل في أكنافها تنظيماً تتناقض فيه الآراء أو تتوافق، تتعارض أو تتلاقى ، ولكن المصلحة الوطنية العليا تظل إطاراً لها ومعياراً لتقييمها وضابطاً لنشاطها، على أن يظل الدور الذى تلعبه الأحزاب السياسية مرتبطاً في النهاية بإرادة هيئة الناخبين في أطيافها المختلفة، وهي إرادة تتبلور عن طريق اختيارها الحر لممثليها في المجالس النيابية، وعن طريق الوزن الذى تعطيه بأصواتها للمتنافسين على مقاعدها، وهو ما حرص  الدستور على توكيده، بكفالته حقي الانتخاب والترشيح، وجعلهم سواء في ممارسة هذين الحقين، ولم يجز التمييز بينهم في أسس مباشرتهما، ولا تقرير أفضلية لبعض المواطنين على بعض في أي شأن يتعلق بهما، وإنما أطلق هذين الحقين للمواطنين - الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة لذلك - على اختلاف انتماءاتهم وآرائهم السياسية، لضمان أن يظل العمل الوطني جماعياً لا امتياز فيه لبعض المواطنين على بعض. 

فتتضافر الجهود في بناء العمل الوطني بحيث تعمل الأحزاب السياسية متعاونة مع غير المنتمين إليها في إرساء دعائمه.

  5. في ضوء مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، وقواعد العدالة المكفولة دستورياً، فإن حصر التقدم للترشيح لعضوية مجلس النواب فيما يتعلق بنسبة الثلثين المخصصة للانتخاب بنظام القوائم الحزبية المغلقة على المنتمين للأحزاب السياسية، يقابله قصر الحق في التقدم للترشيح لنسبة الثلث الباقي المحدد للانتخاب بالنظام الفردي على المستقلين غير المنتمين للأحزاب السياسية، وبالتالي يكون المشرع  قد أتاح لكل من مرشحي الأحزاب السياسية إحدى فرصتين للفوز بعضوية مجلس  النواب، إحداهما بوسيلة الترشيح بالقوائم الحزبية المغلقة، والثانية عن طريق الترشيح بالنظام الفردي (القوائم المحلية)، بينما جاءت الفرصة الوحيدة المتاحة أمام المرشحين المستقلين غير المنتمين لتلك الأحزاب مقصورة على نسبة الثلث المخصصة للانتخاب الفردي، يتنافس معهم ويزاحمهم فيها المرشحون من أعضاء الأحزاب السياسية، والذين يتمتعون بدعم مادي ومعنوي من الأحزاب التي ينتمون إليها، من خلال تسخير كافة الإمكانات المتاحة لديها لدعمهم، وهو ما لا يتوافر للمرشح المستقل غير المنتمي لأي حزب، الأمر الذي يخالف المادة (6) من الدستور، كونه يتضمن مساساً بالحق في الترشيح في محتواه وعناصره ومضمونه، و يشكل تمييزاً بين فئتين من المواطنين في المعاملة وفي الفرص المتاحة للفوز بالعضوية، دون أن يكون هذا التمييز في جميع الوجوه المتقدمة، مبرراً بقاعدة موضوعية ترتد في أساسها إلى طبيعة حق الترشيح وما تقتضيه ممارسته من متطلبات، والتي تتحقق بها ومن خلالها المساواة والتكافؤ في الفرص، فضلاً عما يمثله ذلك النهج من المشرع من إهدار لقواعد العدالة، والتي لا تنفصل في غايتها عن القانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفاً إلا إذا كان كافلاً لأهدافها، فإذا زاغ المشرع ببصره عنها،  لحق النص  عوار   دستوري  الدستوري  أصاب المادة  8 من قانون الانتخاب  في مقتل .