هدوء المقابر ..



وما هي إلا خطوات حتى إقتربت من قبرها .. فدنوت من الشاهد على إسمها وتاريخ وفاتها ..وبصوت منخفض ألقيت السلام على روحها.. فتمتم لساني بالدعاء لها .. حاولت بأن أخفي ملامح الحزن عنها .. ولكن دمعي عنيد فلا يخفيه ظل غيمها فكم من الأحزان بالماضي أخفيت عنها .. و آتيها بوجهٍ حزينٍ متبسما .. فأقتصر بحديثي معها فلا أثقل بأحزاني على قلبها و أبقي في داخلي ألف رواية صادقة كنت ولا زلت أرويها في نفسي لها ..

بالأمس لاح لي بدرها فأضاءت في عيني كل مصابيح الدجى فلم تكن زيارتها أضغاث أحلامٍ وإنما هي روحها التي لا تزال تحيا بيننا فشعرت بأن رضاها عني لاينتهي حتى بعد موتها فقد سمعت ندائي وأنا ما زلت في ذكراها بين يقضان و مُسهدا فسارت بي مراكب الدموع وإحتضنتها فما أصدق من مشاعرها ..وما أجمل من لقائها وكأني أسمع صوت الجنة من نبضها ..فرفضت الاستيقاظ في حينها ولكنها صحوة الألم التي قادتني إلى مكانها جعلتني أقف عاجزاً أمامها فما لي من حول ولا قوة إلا بالدعاء لها ...ومن ثم بدأ الحديث الصامت بيني وبينها وشوشة قبور وصوت العصافير ..وأشجار قد زرعوها لأحبابٍهم في وقتٍٍ ومضى .. وأزهار قد جفت على حافة القبور .. وأزهار ربيع متعطشة..ومن وبينهم نبتة أمي التي زرعها أخي لها ...أنظر إليها ثم أضع يدي عليها لعل أشعر بدفئ أمي منها ولعل أحظى بدعوة منها بالرضا ..

فأنا على يقين بأن أمي تسمع وترى في برزخ تتجلى عنه كل الفتن فهي المصباح الذي ينير عتمة قبرها في ليل من الدجى .