عاجل - مؤسسة راند الأميركية: هل شمس الولايات المتحدة في طور الأفول؟
كشف الكاتب الأميركي البارز ديفيد إغناتيوس أن دراسة معمقة أجرتها مؤسسة راند للأبحاث بتكليف من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أكدت أن الولايات المتحدة ربما تتجه نحو منحدر لم تتعاف منه سوى القليل من الدول العظمى.
وأضاف إغناتيوس -في مقال بصحيفة واشنطن بوست- أن دراسة راند -التي ستنشر الثلاثاء- أكدت أن الولايات المتحدة تمتلك أدوات عديدة للتعافي وتفادي مخاطر ذلك الانحدار، لكن المشكلة أنها لا تمتلك حتى الآن اعترافا جماعيا بالمشكلة وكيفية حلها.
وأوضح أن الدراسة هي بعنوان "مصادر الحركية الوطنية المتجددة"، ومؤلفها الرئيسي مايكل ج. مازار، وهي جزء من سلسلة تقارير تنجز بتكليف من مكتب البنتاغون لتقييم الوضع التنافسي للولايات المتحدة في مواجهة الصين.
ووصف إغناتيوس تقرير راند بـ"المتفجر"، وقال إن التقرير تساءل عن الأسباب التي أدت إلى "التراجع النسبي لمكانة الولايات المتحدة".
وشرح أن الموقف التنافسي للبلاد مهدد من الداخل، وخاصة في ما له ارتباط بتباطؤ النمو، والشيخوخة، والاستقطاب السياسي، وبيئة المعلومات غير الصحيحة، مثلما هو مهدد من الخارج بالتحديات التي تفرضها الصين كقوة عظمى، وتراجع احترام عشرات الدول النامية للولايات المتحدة.
وقال إغناتيوس إن الدراسة أوضحت أن فشل الأميركيين في توحيد الجهود لتحديد المشاكل المطروحة وبحث حلول لها، يعني المجازفة بالسقوط، وبيّنت أن التعافي من التدهور الكبير ممتد في الزمن، ويصعب تحديد معالمه في المراحل التاريخية المختلفة. وضربت الدراسة مثلا على ذلك بما جرى مع الإمبراطورية الرومانية، والإسبانية، والعثمانية والنمساوية المجرية، والاتحاد السوفياتي.
وبحسب الكاتب، توضح الدراسة أنه "عندما تنزلق القوى الكبرى من موقع القيادة بسبب عوامل داخلية، فإنها نادرا ما تعكس هذا الاتجاه" وتغير حركية التاريخ.
وسلطت الدراسة الضوء على أسباب التدهور الوطني الشامل، وقالت إن من بينها الإدمان على الترف والانحطاط، والفشل في مواكبة التكنولوجيا، والبيروقراطية المتحجرة، وفقدان الفضيلة المدنية، والتمدد العسكري المفرط، والإرهاق العسكري، فضلا عن وجود نخب أنانية ومتحاربة، وممارسة تناقض حماية البيئة.
وبحسب الدراسة، فلا بد من المبادرة إلى "معالجة المشاكل قبل أن تعالجنا"، وتحدثت عن أدوات العلاج التي تبدأ بالاعتراف بالمشكلة أولا، ثم اعتماد إستراتيجية لحل المشاكل عمليا بدلا من الغرق في معارك أيديولوجية، فضلا عن ضرورة تقوية هياكل الحكم الرشيد. يضاف إلى ذلك ضرورة أن تلتزم النخبة بالصالح العام.
وتكشف الدراسة أنه في ما يرتبط بموضوع "حل المشكلة" يصنف أداء الولايات المتحدة في 2024 بكونه "ضعيفا".
وبحسب الكاتب، فإن دراسة راند تحدثت عن تجربتين يمكن الاستفادة منهما لإيجاد مخرج من هذا المنحدر، ويتعلق الأمر بتجربة بريطانيا التي نجحت في بناء إمبراطورية ناجحة، لكن مع منتصف القرن الـ19، تعفنت من الداخل بسبب الخسائر البشرية والبيئية الناتجة عن التصنيع، وانتشار الفساد، وعدم فعالية المؤسسات السياسية، وسيطرة نخبة قليلة مالكة للأراضي على السياسة، فضلا عن اتساع فجوة التفاوت الاقتصادي.
وتتابع الدراسة -بحسب إغناتيوس- أن بريطانيا سارعت إلى اتخاذ إصلاحات عاجلة، وغيرت سياستها بما يمكنها من تقوية جبهتها الداخلية، وشارك كبار مفكريها -من أمثال توماس كارلايل وتشارلز ديكنز- في صناعة تصور للإصلاح.
أما الحالة الثانية، فتتعلق بالولايات المتحدة نفسها، إذ إنها بعد فورة العصر الذهبي في أواخر القرن الـ19، دفع الازدهار الصناعي بالبلاد إلى الأمام، لكنه خلق تفاوتات قاسية، وتسبب في أضرار اجتماعية وبيئية، وفي انتشار الفساد الفادح.
لكن مع مجيء الجمهوري ثيودور روزفلت إلى الرئاسة، سُرعت عملية الإصلاح في مجالات السياسة والأعمال وحقوق العمال والبيئة ومحاربة الفساد.
وشدد الكاتب إغناتيوس على أن دراسة راند تشير بوضوح إلى أن عدم المبادرة إلى العمل لأجل الصالح العام ونهضة البلاد، واستخدام أدوات الإصلاح، وتسليم الإدارة إلى قادة جدد ينفذون قواعد إصلاح تناسب الجميع، يعني أن الولايات المتحدة ستغرق حتما.
(الجزيرة نت)