لماذا جامعة كولومبيا والجامعات الأمريكية وليست جامعاتنا الاردنية؟!!
أكيد إن هذا السؤال يدور برأس الجميع وخصوصاً في مجتمعاتنا الاردنية، ولتفسير الظواهر الغريبة او الشاذة لا بد من تأصيلها والعودة الى جذورها لفهمها والوقوف على اسباب انحرافها عن مسارها الطبيعي فالجامعات تكون عادةً معقل الحركات التحرريه ومبعثها فلماذا استنكفت جامعاتنا الاردنية عن هذا الدور بعد طوفان الاقصى الجارف وأخذ دورها الشارع ولم يستطع التأثير بها وتحريكها للمشاركة ورفده بالأعداد والطاقات الشبابية الهائلة؟!!
الجامعات مصنع القيادات السياسية والاقتصادية و فيها تتضح المعالم الفكرية للطلاب وتتشكل البنى الفكرية كلٌ حسب ميوله وبيئته الاجتماعيه الحاضنة له، والمفروض في هذه المرحله ان يشعر الطالب بعد انتهائه من المرحله الثانويه بإستقلاله الفكري عن بيته وذويه ويندمج في مجال حيوي جديد وهو الجامعة البوابة التي سوف تفتح له آفاق جديدة تمكنه من رسم الخطوط الرئيسية لمستقبله ، وهنا سوف استدعي تجربتي الشخصية في بداية الثمانينات من القرن الماضي حيث صدمت صدمة كبيرة بهذا المجال الذي كنت اظنه حيوياً واسعاً متشابكاً وثرياً ، وإذا به مجالاً مقسماً تقسيمات عشائرية وجهوية ترمي بثقلها على التيارات السياسية سواء كانت يسارية وقومية او اسلامية، والثقل العشائري فيها نافذ افقياً للتيارات السياسية الضعيفة أصلاً والمخترقه امنياً ايضاً ، وبهذه التركيبه الشاذه لن ينتج بناء فكري مستقل بل هو خليط عشائري أمني قطري بثوب مرقع معزول عن قضاياه الكبرى وعلى رأسها القضيه الفلسطينيه ، التي لا شأن لنا بها عملياً ولكن يمكننا الإحتفاظ بها وجدانياً لإستحضارها كلما استدعى الأمر في كلمه بجاهه خطبه او تعليله اجتماعيه ، ولا ابالغ إن قلت إن حال المدرسه في زماننا أنقى بكثير من الجامعه فلم نكن نسأل الزميل بالصف عن عشيرته ولا منطقته ولا حتى دينه على عكس الجامعه تماماً فهذه الامور هي المعيار الأساسي في تشكل العلاقات والارتباطات المستقبليه ، وذاك الماضي الذي عشته وعاشه الكثيرون معي بالجامعات ليس بالسيروره الطبيعيه لمجريات الامور و انما هو نتيجه لتدخلات قوى فرضت هذا النهج ورسمت خطوطه ومساراته في جميع مجالات حياتنا وسنت القوانين لحمايته وفرضه على قادم الأيام والسنين ، وبهذا يكون الطالب المدرسي النقي قد انتقل الى مجال ضيق رغم رحابة مرافقه و مخنوق بضيق الافق والعنتريات الكاذبه والتي لا ينجو منها الا القليل ، وأظن ان حال جامعاتنا اليوم وبعد اكثر من أربعين عاماً مضت أسوأ بكثير لذلك هي غير مؤهله لحمل راية الدفاع عن قضايانا سواء كانت محليه او عربيه وعلى رأسها القضيه الفلسطينيه ، وبركات ٧ أكتوبر لم تمر من بواباتها ولا من فوق اسوارها بل بقيت في شوارعها معزوله عن جامعاتها ...