المقاومة وعدوّها: من يحاصر من؟
مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على غزة من دخول شهرها الثامن، يبدو سؤال "من يحاصر من؟ أكثر جديةً من أي وقت مضى. وعلى هامشه، ومن تنويعاته، اشتقَّ الصديق نبيل عمرو عنواناً لمقالة له عن "النصرين الممنوعين" في غزة، نصر "إسرائيل" ونصر حماس، أقله وفق التعريفات الابتدائية للنصر والهزيمة، كما وردت في خطابي الفريقين في بداية الحرب.
وفي تفصيل ما أوجزناه نقول، بلغة واقعية، ولا أقول محايدة، فلا حياد حين يتصل الأمر بعدو محرمٍ، يكاد يُجمع العالم وقضاؤه الدولي على أنه كذلك، وهو يتحضر للحصول على وثائق رسمية، تثبت تموضعه في هذه الخانة الرديئة، إلى جانب أقرانه من القتلة ومجرمي التطهير العرقي والإبادة الجماعية... نقول، بكثير من الواقعية، إن الوقت لا يمر لمصلحة "إسرائيل" ومستويَيها السياسي والعسكري، وإن محنة نتنياهو وفريقه أشد قسوة عليه مما يكابده قادة الكتائب والسرايا، الذين يخوضون قتالاً غير متلائم، تحت أقسى الظروف وأصعبها.
الشعب الفلسطيني (ومقاومته) قدم فاتورة الدم الباهظة، صامداً صابراً محتسباً، ولم يعد الابتزاز عبر فرض مزيد من الأثمان مجدياً. لا "معركة رفح" ولا أي معركة غيرها باتتا سبباً كافياً في دفع المقاومة إلى تقديم التنازلات، أو إلى النزول عن قمة الشجرة، كما يدعوها إلى فعل ذلك بعض "الإخوة الأعداء".
اليوم، يتعين على "إسرائيل" أن تدفع الفاتورة الباهظة، من صورتها ومكانتها في الساحتين الإقليمية والدولية. اليوم، يتعين على قادتها إمضاء لياليهم بلا نوم، تحسباً لمذكرات التوقيف التي ستصدر عن القضاء الدولي وأجهزة القضاء المحلية في عدة دول. عليهم أن يتحسسوا مواطئ أقدامهم، بعد أن صاروا كالمصاب بالجرب أو الجذام، وعليهم أن يأخذوا بنصيحة وزير خارجيتهم إسرائيل كاتس بشأن التزام منازلهم وتفادي المجازفة في السفر إلى الخارج.
لسببين أو ثلاثة أسباب، فقدَ التلويح بـ"معركة رفح" وظيفته الردعية، ولم تعد هذه الورقة طلقة أخيرة، لا في جعبة نتنياهو ولا في جعب غيره من الإسرائيليين وشركائهم في سفك الدم الفلسطيني. أولها، أن هذه "الطلقة الأخيرة" قد تصبح "المسمار الأخير" في نعش نتنياهو وحكومته وكيانه، فالمقاومة جاهزة لكل السيناريوهات وقيادة الداخل طمأنت قيادة الخارج إلى سلامة وضع المقاومة. ورفح، في كل المقاييس، لن تكون أقل من شقيقاتها في غزة وخان يونس، إن لم تكن أصعب منهما مراساً.
وثانيها، أن المعركة في رفح محمّلة بالتداعيات الإنسانية والجيوسياسية، والتي ما إن تبدأ المعركة حتى تبدأ مفاعليها تنعكس عبر أشد العواقب على "إسرائيل"، حتى لدى من تبقى لها من حلفاء مخلصين. وليس ثمة في الأفق المنظور، على الأقل، ما يشي بأن "إسرائيل" تستطيع أن تتخطى هذه التداعيات، أو أنها أعدت العدة الكافية لتخطيها...
موقع الميادين،