قصة قصيرة: حمزة

 
عمّ هرجٌ في الملأ الأعلى:

- حمزة زقوت قادم..
- حمزة زقوت قادم..

هرعتْ ملائكة الرحمة تفتّح أبواب الجنّة، وتبسط سجاداً من سندس واستبرق يمتدّ من كلّ بوابة حتى الحوض.

هم لا يعرفون من أيّ باب سيدخل حمزة.

أتمّ الملائكة استعداداتهم، واصطفوا يتتظرون الضيف عالي المقام.

لحظات وأطلّ حمزة زقوت وهو يخطر بخطواته الصغيرة مضرّجاً بدمائه التي تفوح منها رائحة مِسْك لم يعرف مثلها أهل الجنّة من قبل.

استغرب الملائكة:

- مَن هذا الطفل الصغير الذي استنفرتْ لاستقباله الجنّة، ويحفّ به جبريل وميكال ورضوان كالوفد المرافق؟!

عند الحوض، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقف بنفسه لاستقبال حمزة زقوت، وخلفه على مسافة يقف بقية الصحابة ينتظرون بمعيّة الرسول.

ها قد وصل حمزة.. ها هو يخطو خطواته الأخيرة مقترباً من الرسول.. ها هو يمثُل وحيداً بين يديّ الرسول..

وقبل أن يتسنى لحمزة استجماع شتات دهشته وانبهاره وهو الطفل الصغير بحفاوة الاستقبال وجلال الموقف.. عاجله الرسول قائلاً:

- وعلى أمّك السلام يا حمزة، وعلى أهل غزّة السلام، وعلى الأقصى السلام.. عندما تزور أمّك في المنام المرّة القادمة أقرئها سلامي، وأخبرها أنّ رسول الله يقول لكِ لقد قَبِل ربُّكِ الفِداء أمَّ حمزة لقد قَبِل ربُّكِ الفِداء"!

فرح حمزة، واندفع ببراءة طفولية ليعانق الرسول الذي فرد ذراعيه والتقف حمزة في أحضانه وكأنّه أحد أبنائه..

وبعد عناق طال، وضع الرسول ذراعه فوق كتفي حمزة، واستدار به نحو ثلاثة فتيان كالأقمار المنيرة:

- هؤلاء أبنائي يا حمزة، القاسم وعبد الله وإبراهيم.

تقدّم ثلاثتهم للسلام على حمزة وتبادل العناق معه، وفي غمرة المشهد، أتى صوت جهوريّ ذو جرس مميّز من الخلف ينمّ عن قوة وبطولة وجسارة:

- وماذا عنّي يا ابن أخي؟

التفتَ الجميع فإذا برجل فارع الطول يبدو من مظهره أنّه قد جاوز الخمسين من العمر، ولكنّه كان قويّ الجسد صلب البنية في وجهه سماحة لا يخطئها الناظر برغم نظراته التي تفيض ثقةً وحزماً ورباطة جأش.

قال الرسول وعلى وجهه سرور بالغ:

- وهذا يا حمزة سميُّك، عمّي وأخي وصاحبي وقرّة عيني أسد الله وسيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب.

تساءل حمزة زقوت مندهشاً:

- سميّي؟!

أجاب سيد الشهداء حمزة قائلاً:

- نعم سميُّك..

ثم اقترب من حمزة زقوت، وجلس القرفصاء حتى يواجه وجهُهُ وجهَهُ، ومدّ يديه وأمسك به من كتفيه، وأردف قائلاً وهو ينظر في عينيه بودٍّ ومحبة:

- لقد اسمتكَ أُمّك حمزة تيمّناً بي، ولكنّها لم تعرف أنّ الله عزّ وجلّ قد شاء أن أُسمّى حمزة كي يوافق اسمي اسمكَ بعد ألف وأربعمئة سنة!

افترّ وجه حمزة زقوت عن ابتسامة غامرة بينما دموعه تسيل على وجنتيه، واندفع معانقاً سيد الشهداء حمزة.. ثمّ ما لبث أن ارتدّ عائداً عدّة خطوات إلى الوراء، ووقف منتصباً مشدود الجسد أمام الجميع، ثم تظاهر أنّه يهوي بصفعةٍ خلفيةٍ حامية الوطيس على صدغ أحدهم وهو يردّد في أداء مسرحيّ ظاهر:

- باسلٌ أنتَ ومغوّارٌ يا "نتنياهو".. ردّها عليّ إن استطعت!

ضحك الرسول وضحك سيد الشهداء حمزة وضحك القاسم وعبد الله وإبراهيم حتى بانت نواجذهم.. وفي الخلف حول الحوض هلّل الصحابة وملائكة الرحمة وكبّروا!