عاجل - دراسة تنتقد تعامل الاردن مع أزمات اللجوء: تغيير ديمغرافي ومخاطر اجتماعية وامنية
"ما وراء الحدود: تأثيرات أزمة اللاجئين السوريين على الأردن"، دراسة للدكتور محمد تركي بني سلامة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، يغوص الباحث في التداعيات المتعددة الأوجه لأزمة اللاجئين السوريين على الأردن. هذه الدراسة المفصّلة، المنشورة في كتاب بعنوان "اللاجئون والمهاجرون – الأوضاع الحالية والاتجاهات المستقبلية" الصادر عن دار النشر البريطانية الشهيرة IntechOpen، في أبريل 2024، تسلّط الضوء على الضغوطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي واجهها الأردن نتيجة استضافته لأكثر من 1.4 مليون لاجئ سوري، وهي نسبة تُمثل جزءًا كبيرًا من سكانه البالغ تعداده ما يزيد عن 11 مليون نسمة.
يبدأ الباحث الدراسة بتحديد سياق الدور التاريخي للأردن كملاذ للاجئين والمشردين، مُشددًا على تقليد الضيافة الطويل. ويتناول بالبحث والتحليل كيف اختبر تدفق اللاجئين السوريين مرونة الأردن الاقتصادية، ونسيجه الاجتماعي، واستقراره السياسي، وحتى هويته الوطنية. ويتوقف مطولا عند الأعباء الاقتصادية الواضحة، مع آثارها الملحوظة على معدلات البطالة، والنفقات العامة، والموارد الوطنية.
اجتماعيًا، يستكشف بني سلامة الآثار الحرجة لسياسة الباب المفتوح في الأردن تجاه اللاجئين، وخاصة اللاجئين السوريين، مع التركيز على التهديدات والتحديات التي تواجه الهوية الوطنية والأمن والاستقرار. ويكشف في تحليل مفصل كيف أدت سياسات الباب المفتوح وكرم الضيافة التقليدية في الأردن، وإن كانت إنسانية بطبيعتها، إلى إدخال تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة تستدعي إعادة تقييم سياسات اللجوء.
يُؤكد بني سلامة على استجابة الأردن الإنسانية - رغم هذه التحديات- لأزمة اللجوء السوري، إذ ركزت على جهود البلاد في دعم اللاجئين من خلال المبادرات التعليمية والصحية والتوظيف. على الرغم من أن هذه السياسة كانت مكلفة ومُثقلة بالنسبة للأردن تحت وطأة الموارد المحدودة والمساعدات الدولية الشحيحة، التي لا تزال غير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين. وتُحلل الدراسة بشكل نقدي استجابة المجتمع الدولي حيث لم يفِ بالتزاماته الى الأردن، الذي تحمل نصيب الأسد من المسؤولية تجاه اللاجئين السوريين، مُشيرةً إلى الحاجة إلى تعاون عالمي وآليات أكثر فعالية في توزيع المساعدات المستدامة، وحل نهائي لمشاكل اللاجئين، ولم تغفل الدراسة الجهود الاستثنائية التي بذلها الملك عبدالله الثاني وكافة المسؤولين في الدولة الأردنية وخصوصا وزراء الخارجية والداخلية الأردنيين في مخاطبة الرأي العام الدولي في كافة المحافل والمناسبات للتخفيف عن كاهل الأردن الذي يعاني ظروفا صعبة قبل أزمة اللجوء السوري، حيث فاقمت الازمة الأوضاع الصعبة التي تعيشها الغالبية الساحقة من سكان البلاد .
تحديات الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي
ووفق ما جاء في الدراسة، أدى تدفق أكثر من 1.4 مليون لاجئ سوري، إلى تغيير جذري في المشهد الديموغرافي في الأردن، مما أثار أسئلة عميقة حول الهوية الوطنية. تاريخياً، كان الأردن فسيفساء من الهويات القبلية والوطنية والإقليمية، التي أصبحت الآن تحت ضغوط متزايدة بسبب التحولات الديموغرافية التي تسبب بها تدفق اللاجئين. حيث يتفاقم هذا الوضع بسبب الزواج المختلط واندماج الأعراف الثقافية المختلفة، مما يؤدي إلى إضعاف الهوية الوطنية الأردنية التقليدية. وتناقش الدراسة إمكانية حدوث تحول في النسيج الثقافي للبلاد، حيث تصبح الفوارق بين الهويات السورية والأردنية غير واضحة، مما يشكل تحديًا للحفاظ على الهوية الوطنية الفريدة للأردن.
لم يؤد التحول الديموغرافي إلى اضعاف الهوية الوطنية فحسب، بل أدى أيضًا إلى الاضطرابات الاجتماعية، حيث بدأ الأردنيون الأصليون يشعرون بأنهم أقلية في بلدهم. لقد أثار هذا الاختلال الديموغرافي مناقشات حول الحفاظ على التراث الثقافي للأردن ومبادئه الأساسية، وخاصة الهوية الوطنية المتأصلة التي تلعب دورًا حاسمًا في التماسك الاجتماعي والحياة السياسية للبلاد.
مخاوف أمنية واستقرار سياسي
ووفقا للدراسة أدى وجود عدد كبير من اللاجئين إلى تفاقم المخاطر الأمنية. فقد جعل قرب الأردن من النزاع السوري البلاد عرضة للتأثيرات العابرة للحدود، بما في ذلك الأنشطة الإرهابية. وتوضح الدراسة كيف واجه الأردن هجمات مباشرة من مجموعات متطرفة، تفاقمت بسبب الوضع الحدودي الفوضوي وتسلل أيديولوجية "داعش" بين بعض مجموعات اللاجئين إضافة الى استمرار محاولات اختراق الحدود الأردنية من قبل جماعات المهربين. حيث استدعت هذه التحديات الأمنية تحولاً نحو زيادة الانفاق العسكري لحماية الاستقرار الوطني، غالبًا على حساب المؤسسات المدنية مثل التعليم والرعاية الصحية.
وتوضح الدراسة كيف تتشابك المخاوف الأمنية الجارية مع الديناميكيات الجيوسياسية الأوسع، حيث يعتبر دور الأردن كبلد لجوء مستقر أساسي ولكنه مليء بالتحديات التي تشمل إدارة الضغوط الاقتصادية الاجتماعية والتداعيات الأمنية لاستضافة مثل هذه الاعداد الكبيرة من اللاجئين. فقد تأثر اقتصاد الأردن بشدة بسبب الحاجة إلى توفير الاحتياجات لعدد سكان متزايد. لقد زاد تدفق اللاجئين من المنافسة على الوظائف والسكن والخدمات العامة، مما زاد من التحديات الاقتصادية القائمة وأذكى التوترات داخل المجتمعات. ويرتبط هذه الواقع الاقتصادي ارتباطًا وثيقًا بأسئلة أوسع حول الهوية الوطنية والمواطنة، حيث تؤثر الصعوبات الاقتصادية على تصورات الانتماء والتكامل الاجتماعي.
إعادة تقييم سياسة الباب المفتوح
تدعو الدراسة بصراحة تامة إلى ضرورة إعادة النظر الاستراتيجية في سياسة الأردن للباب المفتوح. فالتحديات العميقة التي قدمتها أزمة اللاجئين السوريين تتطلب إعادة تقييم هذه السياسة. حيث تبرز الحاجة إلى نهج أكثر استدامة يوازن بين الاهتمامات الإنسانية والأمن الوطني والحفاظ على الهوية، وتدعو إلى نهج متوازن يحترم القيم والضرورات الإنسانية مع حماية المصالح والأمن الأردني. هذا يعني نهجًا دقيقًا للتكامل السياسي، يشمل ضمان احترام حقوق اللاجئين دون المساس بالمصالح الوطنية.
في الختام، يدعو بني سلامة إلى إعادة تقييم استراتيجي للسياسات المتعلقة باللاجئين واللجوء. وتبني نهج شامل يجمع بين المساعدات الإنسانية الفورية والاستراتيجيات التنموية طويلة الأمد. وتعزيز الإدماج الاقتصادي للاجئين، لاستقرار المشهد الاجتماعي والسياسي في الأردن.
وتُعد هذا الدراسة مساهمة جادة في النقاش المستمر حول أزمات اللاجئين العالمية وتأثيرها العميق على الدول المضيفة. وتقدم دروسًا قيمة حول الصمود، والقدرة على التكيف، وأهمية التضامن الدولي في مواجهة التحديات الإنسانية، وتكتسب الدراسة أهمية في الوقت الحالي بعد أحداث غزة في السابع من أكتوبر عام 2023 والتخوف من موجة لجوء جديدة تشهدها المنطقة جراء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وتعد هذه الدراسة الاحدث للدكتور الدكتور محمد بني سلامة، الذي يعتبر الشأن الوطني على رأس أولوياته واهتماماته البحثية، حيث يركز في جلّ دراساته وأبحاثه على الهموم الوطنية والمصلحة الوطنية العليا بأسلوب علمي وواقعي، معتبرا الدراسات الجادة قوة دعم للدولة والمجتمع، وركيزة أساسية في الدفاع عن مصالح البلاد والعباد. وللدكتور بني سلامة ما يقارب 60 دراسة علمية تتناول موضوعات الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي وحقوق الانسان والهوية الوطنية وجماعات الإسلام السياسي والهجرة واللجوء والتطرف الارهاب وغيرها. وجدير بالذكر أن الدكتور بني سلامة يقضي حاليا إجازة التفرغ العلمي للمرة الثانية في دولة الإمارات العربية المتحدة.