عاجل - الميناء الأمريكي "الغائم".. وترتيبات اليوم التالي لطوفان الاقصى!


كتب كمال ميرزا - 

كذبات كثيرة تم تداولها عبر وسائل الإعلام والفضاء التواصلي من قبيل الدعاية الحربية منذ انطلاق "طوفان الأقصى" ولغاية الآن، منها ما هو محبوك إلى درجة معقولة، ومنها ما جاء تقليديّاً على طريقة الإعلام الأمريكي الذي يصرّ على الاستخفاف بعقول الآخرين واستغبائهم، أو للدقّة يظنّ أنّ جميع شعوب العالم بغباء وسذاجة وسلبية المتلقّي الأمريكي الذي ربّته على يديها.. ومنها ما هو سمج وممجوج ولا ينطلي على عقل طفل صغير.

أسمج كذبة تمّ تداولها لغاية الآن هي إلصاق صفة "إنسانيّ" بالميناء العائم الذي أصرّت الولايات المتحدة على إنشائه في غزّة.

فأوّلاً من أين ستأتي "الإنسانيّة" للولايات المتحدة وحرب الإبادة والتهجير التي تُشَن على الشعب الفلسطيني هي فعليّاً حرب أمريكية تخوضها ماكينة الحرب والإجرام الصهيونية بالوكالة.

وثانياً إدخال المساعدات الإنسانية والمواد الإغاثية لا يستدعي تكبّد كلّ هذا العناء، وإنشاء ميناء عائم من الصفر، وإنفاق مئات الملايين من الدولارات.. يكفي فتح المعابر البريّة القائمة؟

إلى جانب إيجاد موطئ قدم للقوّات الأمريكية ونواة لقاعدة عسكرية على تراب غزّة في المستقبل..

وإلى جانب الإمعان في التحكّم بأقوات أهالي غزّة وابتزازهم بعد إغلاق بقية المعابر، وكفّ يد بقية المنظمات الأممية وغير الأممية عن القيام بدورها الإنساني والإغاثي..

وإلى جانب خلق حالة نزوح وهجرة إلى خارج قطاع غزّة "لمن يرغب" (بنفس الطريقة التي تمّ فيها خلق حالة نزوح وهجرة أبّان الأزمة السورية)..

إلى جانب ذلك كلّه، ما حاجة الولايات المتحدة إلى ميناء عائم؟ فجميع الغايات الشيطانية أعلاه كان يمكن تحقيقها دون الاضطرار إلى بناء هذا الميناء!

بكلمات أخرى، ما هي البضائع التي تنفرد بها الولايات المتحدة الأمريكية، أو الصناعة الأمريكية الخالصة، ولا يمكن إدخالها إلا عبر ميناء تسيطر أمريكا عليه وعلى عملياته بالكامل؟!

أمريكا صاحبة السبق في تصدير المرتزقة تحت غطاء شركات أمن وحماية وخدمات لوجستية على غرار (بلاك ووتر)، فهل هذه ستكون إحدى الصادرات الإغاثية التي ستدخلها أمريكا إلى غزّة عبر مينائها العائم؟

أم أنّه سيتم الاستعاضة عن المرتزقة بـ "قوّات دايتون" جديدة؟ هذه أيضاً صناعة أمريكية خالصة بالتعاون مع "حلفائها" الإقليميين!

أم أنّ المعزّة التي تكنّها الولايات المتحدة لغزّة ستجعلها تصدّر إليها فخر الصناعة الأمريكية: الدواعش؟!

المثل يقول: "لا يفلّ الحديد إلا الحديد"، وفي العقل الاستعماري الشيطاني الغربي لا يفلّ مقاومة إسلاميّة إلّا مقاومة إسلاميّة مثلها تزاود عليها في "تقواها" و"ورعها" و"جهادها" و"طلبها للجنّة"!

هذه وصفات مجرّبة ومضمونة النتائج، فما الذي سيمنع الشيطان الأكبر أمريكا من إعادة استخدامها؟!

قبل أيام تمّ نشر مقال تحليلي في غاية الأهمية بعنوان "إلى العشيرة دُر" يتحدث عن الترتيبات التي يحاول حلف الشيطان الذي تتزعّمه أمريكا إرسائها على الأرض استعداداً لما يُسمّى اليوم الأول بعد طوفان الأقصى، أو اليوم الأول بعد القضاء على المقاومة.

اقرأ أيضا: في التحضير لليوم التالي لطوفان الاقصى...الى العشيرة در!

أهمية المقال أنّه اتّبع منهجية علمية أنثروبولوجية في التحليل، والأنثربولوجيا، هذا المجال المعرفي المهمل في الوطن العربي، هو علم نشأ في حضن الاستعمار الغربي، وهو العلم الذي وظّفته القوى الاستعمارية الغربية وما تزال من أجل إحكام سيطرتها على بقية أمم وشعوب العالم.

وتقوم المقاربة الانثروبولوجية الاستعمارية على دراسة مجتمعات الشعوب المُستعمَرة من داخلها، وفهمها وتشريحها جيداً، والبحث ضمن ثقافتها وبنيتها الاجتماعية عن عوامل القوة والتماسك والتضامن من أجل ضعضعتها وتقويضها وإلغائها، والتعرّف على عوامل الضعف والشقاق والصِدام من أجل اللعب عليها وتعزيزها.

وفق هذا المنظور، فإنّ "العشائريّة" و"الداعشيّة" و"الدايتونيّة" تتماهى وتتكامل مع بعضها البعض، وثلاثتها هي تنويعات مختلفة لثيمة واحدة هي ثيمة "المجتمعات الانقسامية"، هذه النظرية الشيطانية التي تفتقتْ عنها المدرسة "الوظيفية الإنجليزية"، ووظّفتها إمبراطورية صاحبة الجلالة في إحكام سيطرتها على مستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس سابقاً، واستند إليها "برنارد لويس" و"هنري ليفي" في هندسة "الربيع العربي" لصالح "إمبراطورية العم سام" في العصر الحالي!

بل إنّ الكيان الصهيوني بحدّ ذاته هو في صورة من صوره حيلة وخديعة ومؤامرة أنثروبولوجية صاغها المشروع الاستعماري الصهيوني الرأسمالي البروتستانتي الأنجلو - سكسوني الغربي استناداً على أساطير وخرافات توراتيّة وتلموديّة محرّفة ومفبركة.. من أجل خدمة مصالحه، وإحكام سيطرته وهيمنته على المنطقة والعالم!

و"الاستشراق" في جانبه الأكبر هو شأن انثروبولوجي، وللأسف نتيجة لهيمنة الحِس الاستشراقي لدينا وعلينا، ما زلنا نتلقّف كلّ ما يلقيه الآخر الغربي إلينا بانبهار وحفاوة، ونتفاعل معه، ونتداوله على عواهله دون تحليل أو تمحيص، ومن جملة ذلك مصطلحات الصراع ومفرداته ولغة الإعلام.

الميناء الإنساني العائم ليس إنسانيّاً قطعاّ، وهو "غائم" وليس "عائم" بكون الغايات الحقيقية من إنشائه تتوارى وراء غلالة مضلّلة من الزيف والخطاب الإنساني والإغاثي الكاذب!