عاجل - هل نعيد تقدير المعلم في الأردن؟ الدعوة لاستعادة مكانته المفقودة
كتب أ. د. هاني الضمور *
في العقود الأخيرة، شهد الأردن تحولاً ملحوظاً في كيفية تقدير المعلم، حيث تراجعت مكانة هذه المهنة النبيلة بشكل مؤسف. في السابق، كان المعلم يحظى بالتقدير والاحترام كعنصر أساسي في تطوير المجتمع ودفع عجلة التقدم. ومع ذلك، خلال العشرين سنة الماضية، بدأنا نشهد انخفاضاً في تقدير المعلم وتقلص دوره، الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول الأسباب والتداعيات المترتبة على هذا التغيير.
تشير الأدلة إلى أن العوامل متعددة، بدءاً من الضغوط الاقتصادية التي تؤثر على الرواتب وظروف العمل، إلى التغيرات في السياسات الحكومية والقيم الاجتماعية التي قد تقلل من شأن التعليم. في الدول التي تعتبر التعليم استثماراً في المستقبل، يتمتع المعلمون برواتب مجزية، تدريب مستمر، ومكانة مرموقة في المجتمع. فلماذا لا يحظى المعلمون في الأردن بنفس الدعم والتقدير؟
هل القضية تكمن فقط في الإمكانيات المادية أو هي أعمق من ذلك، تشمل السياسات التعليمية والإدارية، وتأثيرها على البيئة التعليمية؟ كيف يمكن للمعلمين أن يشعروا بالتحفيز والرضا عن عملهم إذا لم يتلقوا الدعم المناسب أو التقدير المطلوب من المجتمع والحكومة على حد سواء؟
إن الحاجة ماسة الآن إلى إعادة التفكير في كيفية تقديرنا للمعلمين والعمل بجدية لاستعادة وضعهم كركائز أساسية في المجتمع. يتطلب هذا التغيير تعاوناً بين الحكومة والمجتمع المدني والأسر لضمان أن يتم توفير بيئة داعمة تحفز المعلمين وتعيد لهم الاعتبار الذي فقدوه.
يجب أن نستعيد الاعتراف بأن التميز في التعليم يتطلب التميز في المعلمين. ولتحقيق ذلك، يحتاج المعلمون في الأردن إلى الدعم المادي والمعنوي، والاحترام والتقدير من الجميع. الوقت قد حان لإعادة تقدير المعلمين واعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من نجاح الأمة. بدءاً من تحسين الرواتب وظروف العمل، إلى توفير التدريب المستمر وفرص التطوير المهني، يجب أن نضمن أن المعلمين يتلقون الدعم الكافي لأداء دورهم بفعالية.
علاوة على ذلك، يجب أن نعزز الوعي المجتمعي بأهمية دور المعلم ونشجع على التقدير العام لهذه المهنة. يمكن للمجتمعات المحلية أن تلعب دوراً هاماً في هذا السياق، من خلال تعزيز التفاعل الإيجابي مع المعلمين وتقدير جهودهم بشكل منتظم.
لا ينبغي أن ننسى أن الاستثمار في المعلمين هو استثمار في المستقبل. بتحسين وضع المعلمين، لا نساهم فقط في تحسين جودة التعليم الذي يتلقاه الطلاب، بل نعزز من إمكانيات الأجيال القادمة ونساهم في تحقيق نهضة شاملة تعود بالنفع على الأردن ككل.
لذا، الدعوة موجهة الآن لكل من يهمه الأمر: الحكومة، الهيئات التعليمية، الأسر، والمجتمع المدني، للعمل معًا من أجل ترسيخ مكانة المعلم في قلب العملية التعليمية. من خلال إعادة تقدير المعلم، نستطيع أن نضمن بناء جيل جديد مزود بالمعرفة والمهارات اللازمة ليكون قادرًا على مواجهة التحديات المستقبلية بكفاءة وفعالية.
في نهاية المطاف، إعادة تقدير المعلمين ليست مجرد خطوة أخلاقية وحسب، بل هي استراتيجية ضرورية لتحقيق تقدم حقيقي ومستدام. ومن خلال هذه الجهود المتكاملة، يمكن للأردن أن يستعيد مكانته كرائد في التعليم في المنطقة وأن يبني مستقبلاً مشرقاً لأجياله القادمة.
* الكاتب رئيس جامعة آل البيت سابقا