درس شاؤول.. عندما لا تتعلم إسرائيل من أخطائها
لأول مرة منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يخرج أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في خطاب غير عادي بتوقيته وبما احتوى عليه من معلومات.
فبعد منتصف الليل ظهر أبو عبيدة في خطاب صوتي أعلن فيه أسر وقتل عدد من جنود الاحتلال في جباليا، ليسارع الناطق باسم جيش الاحتلال وعلى غير العادة ليصدر بيانا بعد نحو دقيقتين قال فيه "ليس هناك أي حادث اختطاف لأي جندي".
ومما زاد غموض الأمر على الجانب الإسرائيلي أن وسائل الإعلام العبرية وصفت الحدث بـ"الاستثنائي".
وكان أبو عبيدة أعلن بعد منتصف الليل أن مقاتلي القسام في مخيم جباليا تمنكوا من استدراج قوة خاصة للاحتلال إلى أحد الأنفاق وتفجير عبوات ناسفة بها والاشتباك معها، وإيقاع أفرادها بين قتلى وأسرى، مكتفيا بنشر مقطع مصور قصير لجثة أحد الجنود القتلى نتيجة الكمين خلال سحبه في أحد الأنفاق.
ليختتم الفيديو بجملة "هذا ما سمح بنشره.. وللحديث بقية"، مما يشير إلى أن كتائب القسام تنتظر إعلان الاحتلال عن العملية، لتكشف القسام أن ما لديها من معلومات قد تتسبب في إحراج جيش الاحتلال وإظهار عدم مصداقيته.
تاريخ يتكرر
رغم الطبيعة غير الاستثنائية للإعلان عن الأسر والنفي الإسرائيلي فإن الحدث قد سبق له أن تكرر بشكل مقارب قبل 10 سنوات عندما أعلنت كتائب القسام أسر الجندي شاؤول آرون، وهو أول جندي تأسره المقاومة الفلسطينية منذ عام 2006 بعد الجندي جلعاد شاليط، ففي 20 يوليو/تموز 2014 وخلال معركة العصف المأكول أعلن الاحتلال أن 11 جنديا قتلوا خلال المعارك في قطاع غزة، ولم يذكر أي تفاصيل أو خسائر أخرى.
ليخرج أبو عبيدة فجر 20 يوليو/تموز قبيل الفجر بتسجيل مصور على غير المعتاد في الرسائل المرئية له وتحدى الاحتلال بالكشف عن خسائره الحقيقية، وقال "إن هذا الجندي شاؤول آرون هو أسير لدى كتائب القسام في هذه العملية، فإذا استطاعت قيادة العدو أن تكذب في أعداد القتلى والجرحى فعليها أن تجيب جمهورها عن مصير هذا الجندي الآن" ونشر رقمه العسكري.
وكان آرون ضمن قوة للاحتلال في حي التفاح شرق قطاع غزة تم استدراجها إلى حقل ألغام معد مسبقا وفجروه بالآليات الإسرائيلية قبل تقدمهم نحو ناقلتي الجند والإجهاز على كل من فيها من الجنود.
وأسفرت هذه العملية عن مقتل 14 جنديا إسرائيليا تم قتلهم من مسافة صفر.
اعتراف إسرائيلي
على الجانب الإسرائيلي، ما إن صدر إعلان القسام حتى تصدى سفير إسرائيل في الأمم المتحدة للأمر ونفى اختطاف أي من جنود الاحتلال، زاعما أن الخبر مجرد "شائعات"، فيما رفض الناطق باسم الجيش الإسرائيلي التعقيب على الحادثة.
كما اكتفت وسائل الإعلام الإسرائيلية بنقل بيان كتائب عز الدين القسام حول أسر جندي إسرائيلي في غزة يدعى آرون شاؤول، مكتفية بنقل رد الجيش بأنه يفحص "المزاعم" التي ذكرها أبو عبيدة.
وبعد يومين من الحادثة -أي يوم الثلاثاء 22 يوليو/تموز وعلى وقع فضيحة محاولة التكتم على ما جرى- اضطر الناطق باسم جيش الاحتلال للاعتراف بوجود جندي مجهول المصير بعد الاشتباك العنيف الذي دار قبل يومين بين المقاومة وجنود من لواء غولاني في حي الشجاعية، وقال إنه يعتقد أنه قتل رغم عدم العثور على جثته.
وأذاعت القناة العاشرة الإسرائيلية في اليوم نفسه أن الرقم العسكري للجندي الإسرائيلي المفقود شاؤول آرون الذي أعلنته كتائب القسام صحيح.
وقالت القناة إن آلية مدرعة للجيش تعرضت لهجوم قتل فيه شاؤون آرون مع 6 جنود آخرين، ونتيجة الحريق الكبير الذي شب في الآلية عثر على جثث 6 جنود فقط، دون تقديم أدلة على موت آرون.
ومنذ ذلك الوقت احتفظت القسام بآرون الذي انضم إليه 3 آخرون لاحقا وهم هدار غولدن وهشام السيد وأفيرا منغستو الذين رفض الاحتلال التفاوض بشأنهم، لتعلن القسام أنها فقدت الاتصال بالخلية المسؤولة عن هؤلاء الأسرى في 13 يناير/كانون الثاني الماضي.
جنود ووحدات خاصة
إعلان أبو عبيدة المقتضب والنفي الإسرائيلي والتكتم بعد ذلك أثار موجه من التكهنات بشأن طبيعة القوة العسكرية التي وقعت في كمين القسام، فقد أشار الكثير من المحللين إلى أن الوحدة قد تكون من الوحدات الخاصة، فملابس الجندي الذي ظهر في فيديو القسام ليست ملابس عسكرية، كما أن الحذاء الذي ينتعله ليس حذاء لواء المظليين (البني ذو الرقبة الطويلة)، وليس حذاء يتبع لمقاتلين من لواء آخر.
ورجح البعض أن تكون وحدة تتبع جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) أو وحدة خاصة أخرى.
ولجأ آخرون إلى تحليل السلاح الذي ظهر في فيديو القسام بأنه سلاح تشيكي من نوع "سي زد سكبروين"، مشيرين إلى أن هذا السلاح لا تستعمله إلا الوحدات الخاصة النخبوية والبحرية خصوصا، مرجحين أن تكون من وحدة مغاوير شايطيت 13.
وسواء صدقت هذه التكهنات أم لا يبقى الخبر اليقين لدى كتائب القسام التي تدير معركة إعلامية باحترافية عالية كما يصفها المراقبون بذات المقدرة والاحترافية التي تدير فيها معركتها العسكرية.
المصدر : الجزيرة