الحرب الثقافية الدولية


إن النزاعات والصراعات المبنية على القيم الثقافية المتعارضة لها تاريخ طويل سواء ضمن نطاق الفئات الإجتماعية داخل الدول، أو بين مجتمع العلاقات الدولية ككل (المجتمع الدولي) ولأن مثل هذه النزاعات تمس المبادئ الأساسية التي توجه سلوك الناس في حياتهم اليومية، فإن لديها القدرة على إشراك وتعبئة عواطف الناس، وكما لاحظ فرانسيس فوكوياما فإن "الصراعات حول "القيم" من المحتمل أن تكون أكثر فتكاً من الصراعات حول الممتلكات "المادية أو الثروة" ومن الممكن دائمًا التوصل إلى حل وسط معقول حول الطريقة التي يتم بها تقسيم الموارد المادية أو الطريقة التي يتم بها توزيع المناصب السياسية وغيرها، وتعبر القيم بالضرورة عن هوية الشخص ومعتقداته.

ويقول الفيلسوف جان جاك روسو في كتابه "العقد الاجتماعي” في حديثه عن الحرب "إن الحرب بين الدول لا بين الشعوب، فالعداء للجنود لا للإنسان، وأنه بمجرد أن يلقي الجندي سلاحه ويستسلم يعود بشر لا يحق لأي كائن الاعتداء على حياته”.

وبناءا على ما سبق فإن ما يحدث في العالم العربي وتحديداً شلال الدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والصراعات الدموية المتنوعة في الشرق الأوسط الممزوجة بالتدخلات الخارجية، يغرق العالم ككل في فصل مأساوي وهمجي جديد من تاريخ البشرية.

علاوة على ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الحروب اليوم تطورت وتنوعت أساليبها وأدواتها فلم تعد كما كانت في الماضي استهداف للمناطق العسكرية الحساسة والحيوية في بلد من البلدان، اليوم الحروب اتجهت نحو بث الفرقة والتمزق والتخلي عن مفهوم الإتحاد لصالح التجزئة وضرب المجتمع الإنساني في نطاق جغرافي ما في أعز ما يملك، في شبابه وثوابت دينه وأخلاقه ومبادئه وقيمه والتشكيك في الرموز الوطنية وتخوين الشرفاء.

اليوم قيم الليبرالية والعدالة وحقوق الإنسان والقانون الدولي تقف عارية أمام كل ما يحدث في الشرق الأوسط وتحديداً ما يحدث على الأراضي الفلسطينية المحتلة من الحرب الصهيونية الهمجية والبغيضة، والإبادة الجماعية للسكان الأطفال والشباب والنساء وكبار السن، وهدم المرافق الطبية والتعليمية والإنسانية والتراثية، فاليوم كل العالم غريب عن منظومة القيم الغربية، والنظام الدولي يتآكل ويتفكك لأن الغرب أسهموا في تدميره لأنها دمرت القيم التي ينبغي أن تقف عمودا فقريا للنظام الدولي.

فالأمة في كل فترة زمنية تواجه امتحان من أجل فلسطين تنجح به، فقد رأينا النبض الإنساني في عواصم العالم العربي والإسلامي، عند رأوا بطش النظام العالمي وحالة النفاق وازدواجية المعايير هبوا من أجل نصرة الحق والحقيقة، فالأمة العربية والإسلامية لا تموت لأنها اتصلت بحبل الله المتين وهي أية من آيات الله عزّ وجل.

والكل يرى بعينه أن نخب الغرب مجتمعة قد تصهينت لكن النبض الإنساني في الغرب عند الناس حي يقف إلى جانب الإنسانية في الشرق الأوسط بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص.

ختاماً العالم اليوم يشهد عودة القيم كإحدى قضايا الخلاف
سواء ضمن نطاق الفئات الإجتماعية داخل الدول من ناحية وهنا يجب احترام الآخرين وحقوقهم وصون الحياة المدنية والحريات بعيداً عن الإقصاء الجلي وحصر المناصب الداخلية في الدول في فئة معينة أو طائفة ما أو التعامل مع الغالبية العظمى من السكان على كونهم لا قيمة لهم، وسحق ممثليهم، في ظل تعقد البيئة المحيطة أو حالة وضعية مجتمع ما، وبين الغرب والشرق من ناحية أخرى، والقوى الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والصين ومعها روسيا من جهة أخرى كلاهما ترفضان فكرة عالمية القيم الغربية (الأمريكية- الأوروبية)، وعودة الجدل حول مدى عالمية أو نسبية هذه القيم، وأن ترويج الولايات المتحدة لفكرة العالمية ورفض الصين لها، وتمسك كل طرف بوجهة نظره سيؤدى الى حتمية صراع القيم بينهما، وسيكون لهذا الصراع صدى فى العديد من دول العالم.