هدهد المقاومة اللبنانية احاط بهم وجاء بالخبر العظيم



كتب مهدي مبارك عبد الله - 

 
مع ازدياد الوضع عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتّلة خطورة وإمكانية توسع دائرة الحرب وفي إنجازٌ مثيرٌ للإعجاب وحدث فريد من نوعه منذ الثامن من أكتوبر الماضي وضمن مفاجأة استثنائية صاعقة لكيان الاحتلال نشر الإعلام الحربي التابع لحزب الله اللبناني يوم الثلاثاء الماضي 18 / 6 / 2024 عبر وسائل الإعلام المختلفة يتزامن مقصود مع زيارة الموفد الأمريكي " آموس هوكشتاين " مقطع مصور مدته 9 دقائق و31 ثانية جمعته طائرة مراقبة تابعة للحوب أطلق عليها اسم ( الهدهد ) في إشارة إلى الطائر المعروف وتُعبيرا عن المسافة البعيدة التي قطعها وعودته محملا بالخبر اليقين.

عملية الاستطلاع النوعية التي قام بها حزب الله جاءت غداة تكرار التهديدات الإسرائيلية بالتصعيد في الجبهة الشمالية في حال فشل التوصل إلى حل سياسي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء الاشتباكات اليومية المتصاعدة بين المقاومة الاسلامية اللبنانية واسرائيل وقد نشر الإعلام ا الحزب الله في وقت سابق إعلانً ترويجيًّ قال فيه " ترقبوا ما رجع به الهدهد " وهو ما رفع منسوب القلق والرعب في نفوس الإسرائيليين بعد مشاهدته عقب 48 ساعة فقط من اختفاء هجمات الحزب المستمرة منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى ولا زالت اجهزة الرقابة الاسرائيلية حتى اليوم تمنع تداول تسجيلات الهدهد واعادة نشرها.

المقاطع الحساسة والخطيرة التي التقطتها الهدهد على علو منخفض وهي تغرد في سماء كريات شمون ونهاريا وصفد كرميئيل ولعفولة وصولاً إلى حيفا تضمنت عدة صور ومشاهد لمنشآت صناعات عسكرية ضخمة تابعة لشركة رافايال لتطوير أنظمة الدفاع الجوي ومرفأ حيفا المدني والعسكري ومواقع لوجيستية تابعة للمرفأ وحاويات نفط ومخازن مواد كيميائية " الامونيا " كما تضمن الشريط صور لسفن عسكرية مثل بارجتي الصواريخ ساعر 4 و5 المخصصتين للدعم اللوجستي السريع.

بالإضافة الى العديد من المجمعات التجارية والسكنية في منطقة الكريوت التي تضم 260 ألف نسمة والتي تبعد 27 كيلومتر فقط عن الحدود اللبنانية وقد عادت الطائرة سالمة دون أكشفها ولا زالت الصدمة والدهشة تُلاحق القادة العسكريين والأمنيين للاحتلال وهم يتساءلون كيف تمكنت طائرة حزب الله من التحليق فوق بوارج الجيش بخليج حيفا بعدما فرض الحزب وجوده بقوة كبيرة في البر والبحر ومقاتلوه يتأهبون لاقتحام مدن الجليل والسيطرة عليها بكامل والجاهزية العالية والاستعداد للرد الساحق على أي مغامرة او مقامرة تأخذ خيار التصعيد الشامل في المنطقة.

مسيرة الهدهد نجحت بفاعلية في مهمة الاستطلاع الجوي وتجاوز جميع أجهزة الاستخبارات ومنظومات الرصد والدفاعات الجوية الإسرائيلية وجمعت قاعدة بيانات استعلامية أساسية وصورت بدقة عالية وبدون أي ازعاج العديد من المواقع الاسرائيلية الاستراتيجية والحساسة دون أن تتمكن هذه الوسائل من كشفها وهذه هي المرة الأولى التي ينشر فيها الحزب صوراً جوية تظهر مسحاً لمناطق واسعة في العمق الاسرائيلي علماً بأنه كان ينشر لقطات جوية لمواقع محددة يستهدفها وقد وعد بنشر المزيد من الصور التي التقطتها الطائرة ذات النوعية الفائقة.

حزب الله عبر فيديوهاته الدقيقة نقل رسالة كشف فيها عن قدراته الاستخباراتية المباشرة ورد على التهديدات الاسرائيلية بمستوى مرتفع جدا من الندية والتحدي ووعد أنّه في حال بادرت إسرائيل إلى اي خطوة ضد لبنان فإنّ المقاومة قادرة على استهداف العمق الإسرائيلي وان بنك الأهداف جاهز وكبير وهذا التطور الميداني الحيوي سيزيد من أزمة نتانياهو وتحميله مسؤولية الإخفاق على مستوى الجهوزية الاستخبارية والعسكرية خاصة وأن الجيش الإسرائيلي يستشعر الخطر وهو ما سيغمق الشرخ بين القيادتين السياسية والعسكرية بعدما اصبح التفوق الجوي الإسرائيلي الحاسمً امام قدرات حزب الله الجديدة التي تتمثل في إسقاط المسيرات والتصدي للطائرات الحربية وتحديد المواقع وتحليل احداثياتها في خالة تراجع وراضحة.

وبناء على هذا الواقع فان كلّ القدرات العسكرية البرية والجوية وحتى الاقتصادية للجيش الإسرائيلي والسكنية أصبحت مهدّدة من جانب المقاومة الإسلامية في لبنان وان ما يجري الآن ليس حربً ميدانية تقليدية بل حرب على الوعي والمعرفة والعلم التقني والدقة في الحصول على المعلومات الاستخبارية التي أثبتت بالحقائق الدامعة والملاحظات الميدانية أنّ ( الجيش الذي لا يقهر قد قهر وهزم في المسدان وتقهقر ) وان ( مفهوم الردع أصبح لبناني وليس إسرائيلي بمعنى أنّ المقاومة هي من تردع الجيش الإسرائيلي وتقف في وجهه بكل قوة وعنفوان ولهذا فان الحديث عن حرب واسعة ومفتوحة قد تحدث بات مشكلة كبيرة لدى قادة جيش الاحتلال.

الخط الاستراتيجي الذي انتهجه حزب الله بعد عملية طائرة الهدهد الاستطلاعية واعلانه المهني والذكي بان هذه هي الحلقة الأولى كان له وقع نفسي ومعنوي كارثي على عناصر الجيش والمواطنين الإسرائيليين بعدما اكد أنّ هناك خروقات في مناطق أخرى وأنّ ما نُشر من بنك أهداف ما هو إلاّ جزء يسير من بنك الأهداف الكبيرة التي بحوزة المقاومة وان القادم اعظم وإن صواريخه الدقيقة سيكون لها أهداف حيوية محددة وبهذا ألغت المقاومة التفوق الإسرائيلي ميدانياً وباتت قادرة على توجيه ضربات مؤلمة لقوات الاحتلال وما قامت به طائرة الهدهد من تصوير دقيق لكل المواقع العسكرية والاستراتيجية والسكنية في منطقة شمال اسرائيل يعد ضربة قاصمة اربكت العدو وغيرت كل المعادلات والقواعد القائمة واثبتت ان زمام المبادرة هي بيد المقاومة في المكان والزمان.

البعض من المرجفين والعملاء والخونة وفي محاولة مدسوسة وخسيسة للتقليل من شان وقيمة عملية المقاومة البطولية وما جاءت به مسيرة الهدهد من كنز ثمين ادعوا بان هذه المعلومات والصور الثابتة والمتحركة يمكن الحصول عليها بسهولة من موقع "غوغل إيرث" الا انهم تجاهلوا عن قصد بمعرفتهم المسبقة بان "غوغل إيرث" اصلا متواطئ ومتعاون مع الجيش الاسرائيلي ويُخفي عمداً كافة المواقع ويحجب الكثير من المعلومات المتعلقة بإسرائيل ولهذا تقوم عناصر حزب الله باستخدام المسيرات المتطوررة لإبقاء حالة الاستعلام قيد التحديث بشكل دائم لقراءة حالة الميدان العملياتية بشكل أفضل ولا شك أن ما لَم يُعرض هو أكبر من ذلك بكثير فهنالم الآلاف من ساعات التصوير التي أنتجتها أسراب عاملة من الطائرات المسيرة في كل أجواء فلسطين المُحتلة ما يؤكد أن الصواريخ الدقيقة والمُسيرات الانقضاضية التابعة لحزب الله قادرةٌ على إصابة حميع أهدافها المنتخبة بدقة مذهلة.

من المعلوم ان حزب الله اللبناني يمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ تصل إلى نحو 150 ألف صاروخ وقذيفة تُشكّل مركز قوّته إلى جانب مجموعة كبيرة ومتنوعة من الطائرات المسيرة تشمل طائرات مخصصة للتجسس وأخرى هجوميّة تحمل ذخائر حيث يمتلك حزب الله نحو 2000 طائرة جويّة من دون طيار متطورة باسماء ( مرصد وابابيل وحسان وايوب وغيرها ) معظمها مصنعة في ايران وأخرى يصنعها الحزب بنفسه وقد ظهر بعضها في الهجمات الأخيرة على الجبهة الجنوبية ضد مواقع وتجمعات واليات عسكرية إسرائيلية على الحدود اللبنانية ولهذا سيكون الالم شديد اذا ما وقعت الحرب وسيلحق بالصهاينة هزيمة مؤكدة تضاف الى اندحارهم في عزة وهدا بالطبع ما لا تريده الادارة الامريكية المتصهينة وتسعى عبر الوساطات البائسة لوقفه.

اما ما يتعلق بمسيّرة الهدهد فهي ايرانية الصنع وكهربائية وبلا بصمة حرارية أو صوتية من النّوع المتقدم والدّقيق جدًّا في إصابةِ أهدافها مما يصعّب اكتشافها وملاحقتها او التشويش عليها ولديها القدرة على أن تحمل مجموعة متنوعة من الكاميرات التقنية عالية الجودة فيما صوتها منخفض وتبلغ سرعتها القصوى 70 كيلومتراً في الساعة وبإمكانها التحليق لأكثر من ساعة متواصلة وتتحمّل الظروف الجوية الصعبة وتتصف بقدرة فائقة على المراوغة والتخفّي وقد ظهر ذلك جليا بعدما دخلت إلى عقر دار القدرات العسكرية الإسرائيلية في مرفأ حيفا والقاعدة البحرية الشمالية وطافت فوق عدة نماذج لمدمرات ساعر ومصنع رافاييل الذي يشكل عصب الصناعات العسكرية للجيش الاسرائيلي وهذ دليل واضح على قدرة وتطور التكنولوجيا العسكرية التي و صل إليها مِحور المٌقاومة.

الحرب الدائرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة بأسناد كبير من جبهات محور المقاومة في جنوب لبنان واليمن والعراق اثبت للجميع ان هدا الكيان مجرد نمر من ورق ليس له نفس بعيد يمكنه من الاستمرار في حرب طويلة لم تعد قياد ته السياسية والعسكرية تجرؤ على التهديد بغزو لبنان وإعادته إلى العصر الحجري وهي تعيش دوامة القلق والحيرة حول ماذا بقي في جعبة هدهد حزب الله في الحلقات القادمة التي لم تكشف بعد.

ختاما نقول بان جميع مبررات عدم الرد الإسرائيلي على اختراق الهدهد لأكثر المواقع اهمية وان الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية كانت على درأيه وعلم ومتابعه للمسيرة التي التقطت الصور ولكنها لم تعمل على إسقاطها كي لا تحدث هلع لدى الجمهور الإسرائيلي وكي لا تتساقط شظايا الصواريخ او المسيرة نفسها فوق مناطق حيوية وحساسة من شأنها أن تحدث أضرار كبيرة فيها لهو دليل ساطع على القصور والعجز والغفلة وذر متواصل للرماد في العيون.


* الكاتب باحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com