أرخص من الفجل!



لا أدري لماذا يصر البعض على ستخدام وصف ( أرخص من الفجل) ليدلل على بضاعة أو شيء قليل الثمن! حقيقة الأمر ان الفجل لم يعد رخيصا كما كان حاله بالسابق، ليس وحده بالطبع، جميع اسعار الخضروات والفواكه ارتفعت اسعارها بشكل كبير فى الاونة الاخيرة وبصراحة لم يعد مقبولا استخدام اي مثل او مقولة تبدأ بمفردة ( أرخص) لان الاسعار بالعلالي لكل مادة تنوي شرائها بكل تاكيد!

قصة طريفة حدثت مطلع ستينيات القرن الماضي، بطلها عمي رحمه الله، كان يدرس الطب بجامعة القاهرة وعاد لقضاء أجازته الصيفية فى قريتنا بالضفة الغربية، طلب منه جدي شراء فقوس بخمسة قروش فذهب إلى الدكان ولاحظ ان البائع قد وضع كمية كبيرة منه على الميزان واستمر بوضع المزيد! يقول عمي انه ذكره اكثر من مره بان المبلغ خمسة قروش فقط ، لكنه مَصر ومستمر بوضع الفقوس؟ اخيرا طلب منه عمي التوقف وقال له انه اكتفى بهذا القدر وحسب، تلك الايام مضت ولن تعود، وعليه فان صلاحية كثير من الأقوال والأمثال قد انتهت دون رجعة مؤكدا!

ما دام الحديث عن الأمثال الشعبية، دعونا نتطرق إلى نشأتها وتاثيرها فى حياتنا ومجمتعاتنا، ربما يظن البعض انها مجرد أقوال وردت نتيجة مواقف معينة بأزمان محددة ومن ثم تم تداولها فيما بعد، لكن بتقديري ارى انها. ان تاثير بالغ فى صياغة ثقافاتنا وسلوكنا ايضا، فعندما تردد مقولة مثل ( عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة) انت فى هذه الحالة تدعو إلى القبول بأدنى ما قسم لك وتقتل طموح الفرد وروح المثابرة والمحاولة فى داخله، أنا بقناعتي الشخصية أجزم ان عشرة عصافير على الشجرة افضل من واحد بيدي! ساجد طريقة لاصطيادهم جميعا ولن أرضى بواحد لا يغني عن جوع!

موروثنا الشعبي مشوه وغير حقيقي او منطقي فى احيان كثيرة، على سبيل المثال نحن نرى فى حاتم الطائي نموذج الرجل الكريم السخي، وعلمونا بالمدرسة انه الأكرم والأجود بالتاريخ كله ولا بد ان نباهي به بين الامم والأقوام! لكنك إذا دققت قليلا تجد ان ما فعله مع ضيوفه فى بعض المواقف لم يكن إلا غباءا مطلقا ولا يصح ان ينعت بالكرم او الجود أصلا ، اي عاقل هذا الذي يذبح فرس أصيله لاجل اطعام ضيفه؟ ان صحت الرواية بالطبع!

علّمونا ان الكلب هو الأوفى من بين الحيوانات جميعا والحقيقة انه الأكثر انحيازا وخنوعا لصاحبه، فالوفاء لا يكون إلا بفعل الأمور الطيبة وليس الهجوم على الخصم وتمزيقه بمجرد اشارة من إصبع صديقه، شاهدنا جميعا قبل ايام ذلك الكلب اللعين الذي هاجم المرأة المسنة فى غزة ومزق كتفها دون رحمة، اي وفاء هذا، هو مجرد اداة تستخدم ووفاؤه المزعوم ليس الا انقياد وانحياز كما ذكرت سابقا.

فى مرة قرات فى احد الصحف هنا فى السعودية حيث أقيم، ان شابا اقدم على قطع الاشارة الحمراء متعمدا دون ان يكترث لوجود دورية المرور رغم مشاهدته لها! وعندما ساله الضابط عن السبب فى هذه المجاهرة والجرأه، اجابه ان عمه والد زوجته قد حل ضيفا عنده بالبيت وان العادات تقضي بذبح شاه او خروف له وهو لا يملك ما يكفي من المال لفعل ذلك، الامر الذي دفعه لارتكاب مخالفة والحصول على توقيف بالسجن لمدة ٢٤ ساعة حتى يتملص من امر الوليمة، انظروا إلى العادات والتقاليد الباليه وضحاياها!

كان زمان الضيف يجلس ثلاثة ايام عندك دون ان تسأله حاجته او سبب زيارته، السبب طبعا انه جاءك على دابة او مشيا لمدة ساعات ان لم تكن ايام ليصل عندك ، وليس من المنطقي حينها ان يجلس ساعة او ساعتين فقط بعد كل هذا المشوار؟ تمسك بيدك اليمني فنجانين او ثلاثة وتبدأ من اليمين او من عند الضيف، ما المشكله إذا حملت اربعة مثلا؟ ستقول عادة اجدادنا، لكن كانت لهم دوافعهم وأسبابهم ، اما نحن فقد اختلفت مهماتنا وحياتنا وصار صعبا جدا الامتثال الاعمي لهم بهذا الشكل.

أنا من عشاق لحمة الراس ،وفي احد المناسبات جلست مع صديق على منسف وهممت با امد يدي على لسان الخروف ، انتبه لى وغمرني بحيث فهمت انه يجب علي التوقف عن الاقتراب من الراس، سالته بعد انتهاء العزومة عن السبب ، فأجابني انه لا يعلم وانه امر مشين وحسب، لكني بحثت بعدها واكتشفت ان اجدادنا اعتقدوا بان الاكل من لحم الراس هو دليل على ان اللحم قليل، فلحم الراس غير مرغوب عندهم والإقدام عليه دليل على نقص اللحم وهو امر معيب ويسيء لصاحب العزومة!!

صديقي ذهب إلى دمشق فى مرة، وقدم له احد أقاربه هناك فنجان قهوة، شربه ثم احس بالعطش فقام بشرب الماء وراءه، اكل بهدلة كبيرة بسبب فعله هذا واعتبروا انه اراد تغيير طعم قهوتهم ولم تعجبه!!

هل يعقل ان نصر على التمسك بالعادات وتقاليد ، إاقتداءا باصحابها وحسب، حتى وان خالفت نمط حياتنا الحالي؟ لا بد من مراجعة إذا!
دمتم