وصدقت تلك الرواية وكنت أضنها خرافة
ففي إحدى القصص التي كانت ترويها أمي في عقدة من عقد الزمن حين كان يطيب العيش في تلك الأيام تحت ظل الكرامة والأهل فقد كاانت أمي في كل ليلة من غياب شمس يومها بما فيه من مآسي الحياة وهي تعج ركابها بين كفيها إلى غسق الليل لتبدأ مصابيح الظلمة الغاسقة تبعث بنورها في قعر بيتها ومن حولها تلتف العائلة بأكملها خوفاً وطمعا بالقرب منها فقد كانت تروي لنا العديد من القصص والروايات التي تنشل بها هموم عبٔ الحياة عليها ومن تلك الحكايات التي كانت تشد مسامعي وأتذكرها هي قصة الرجل الذي شد برحاله حتى نزل عند وادي فما كان له إلا أن يسلك طريقه وهو لا يعلم وحشته حتى إنسل تحت جنح ظلامه وهو يبحث عن مأوى ليأمن نفسه وهو يتخبط في ظلماء المكان فلا يسمع إلا حافر خيله وضوء القمر الذي يضئ دهمة الليل وسكونه وإذ به يقتبس نور سراج حتى إقترب منه واذا هي خيامُ يسكنها أناسٌ لا يفقهون قولا فنام عندهم على أمل بأن يلقى الصبح ليزول ما ألقى على عيناه من ظلامٍ فلم يكن يرى بوضوح هؤلاء الأشخاص إلا أنه إرتاح لما وجد منهم من كرم الضيافة والترحيب فلما آتاه الصباح وهو لايعلم جاء إليه صاحب الخيمة التي بات فيها
جلس بجواره فهز رأسه مرحباً به ثم نظر الضيف إليه ليرد عليه التحية وإذ به يجد رجلاً أمامه بجسم إنسان ورأس كلب حينها شعر الضيف بالفزع وهو يحاول بأن يفهم الأمر فيدرك ما يراه إن كان حقيقة أم خيال حتى ظهرت عليه إمرأة ٌفتحدثت إليه بكلام مفهوم كانت المرأة إنسانة عادية تختلف تماماً عن الرجل صاحب الخيمة ثم تابعت حديثها فكانت تقول له بأن هذا هو زوجها وبأن هذا هو حال الرجال في قريتنا كما تراه ولكنهم لا يؤذون إلا من يحاول بأن يقتحم عالمهم ولكنهم عرفوا بأنك شخص طيب لذلك هم يقولون لك هذا منزلك ونحن الضيوف فيا دار لا يدخلك حزن ولا يصيبك غدر الزمان وكأنه علم بأن هذا الضيف وقد أعجب بجمال زوجته ولكنه يواسي نفسه في إكرام ضيفه ولما جاء وقت الرحيل تفاجأ الرجل الضيف في المرأة وهي تمتطي حصانه راغبة بذهاب معه تريد الهروب من هذا العالم الموحش الذي وصفته بالهمجية برغم من أنها تعيش معه منذ وقت طويل إلا أن قلبها تعلق بالرجل الغريب عنها ولكنه قال لها كيف أخون من أمن لي في بيته وكان يستحلفها بالله بأن تعود إلى بيتها ولكنها قالت له لا استطيع العودة إليهم فقد كشفوا أمري وعلموا بأنني قد لحقت بك وإذ عدت إليهم فلن يرأفوا بحالتي وأنا أرجوك بأن تأخذني معك فما كان لرجل إلا أن سلم أمره وإصطحبها معه فتزوج بها وهو في طريق العودة إلى أهله أنجبت المرأة طفلاً منه فما كان أن بلغ من العمر أشهراً قليلة حتى صار يبكي بصوت مرتفع ولا يسكت أبداً فسألها زوجها عن سبب بكاء الطفل وقد كانت تعلم السبب وهي تحاول بأن تخفي عنه حقيقة إبنها حتى زاد بكاء الطفل فخاف الأب على ابنه وقال لها يجب أن نرتاح اليوم وغداً نكمل طريقنا ولما نزل الطفل ركض مسرعاً إلى جيفة بالأرض وبدأ يأكل منها والأب ينظر إلى إبنه بدهشة كبيرة ويقول لزوجته كيف أقابل أهلي وعشيرتي بهذا الطفل وقد فهم بأن رجال هذه القرية يتوارثون هذه الخصال وأنا لا أريد بأن يسود وجهي أمامهم لذلك لا أريد بأن يكون لي أبناء منك إذهبي فإنك حرة لكن المرأة لم تعود إلى أهلها لأنها تعلم بأن موتها ينتظرها فضلت تجوب في البلاد مع إبنها الذي تزوج من غير سلالته التي أنجبت أبناء تزوجوا من غير سلالتهم حتى إنتشرت تلك السلالة في كل البلاد ولكنني كنت لا أصدق بتلك الخرافات ولكنني الآن أصبحت أشعر بوجودهم .