الملكية في الأردن: ركيزة الاستقرار في عالم مضطرب
ردا على المقالة التي تناولت تحديات النظام الملكي في الأردن والسخط الشعبي المزعوم على الأجهزة الأمنية، ينبغي التأكيد على أن الأردن، بقيادته الملكية وأجهزته الأمنية، يقف كنموذج للأمن والاستقرار في منطقة تعصف بها الاضطرابات والنزاعات.
بداية لا بد من التأكيد على حقيقة أن السلطة كظاهرة اجتماعية قد شغلت بال الإنسان منذ القدم، وقد استرعت اهتمام الفلاسفة والمفكرين منذ عصر سقراط وأفلاطون، مرورًا بتوماس هوبز وجون لوك ومونتسكيو، وصولًا إلى ماكس فيبر في عصرنا الحديث. يُظهر المقال بشكل جلي أن الأفكار المتعلقة بالسلطة قد فُسرت أحيانًا خارج سياقها الصحيح. فيبر، الذي بحث في فلسفة السلطة، أكد على ضرورتها باعتبارها عنصرًا أساسيًا وحيويًا لأي تكوين اجتماعي، فلا يمكن لأي مجتمع أن يُوجد أو يستغني عن السلطة.
أشار فيبر أيضًا إلى أن السلطة الكارزماتية غالبًا ما تعاني من عدم الاستقرار بسبب افتقارها للمؤسسات السياسية الثابتة، وهو وضع لا ينطبق على الأردن، الذي يُعد دولة قانون ومؤسسات. في الأردن، تعمل السلطة ضمن إطار مؤسسي محكم يُعزز الاستقرار ويضمن استمرارية الدولة وفاعلية إدارتها، مما يجعلها تختلف عن الأنماط الكارزماتية التي وصفها فيبر، ولو كان فيبر حيا وطلب منه تصنيف النظام السياسي الأردني لما وصفه بالنظام التقليدي الذي تحدث عنه ، نظرا لقيامه على المؤسسات والقانون وليس سلطة شخصية منفردة بالراي والقرار على النحو السائد في النظم التقليدية .
زوال النظام الملكي في العراق وليبيا واليمن أدى إلى كوارث لحقت بشعوب تلك البلدان وأوضاعها الحالية خير شاهد على ذلك، حيث تعيش هذه البلدان أسوأ حقبات في تاريخها. لو أجري استفتاء لشعوب هذه الدول، لربما اختارت العودة إلى النظام الملكي، لأن ما يهم الشعب ليس فقط شكل النظام السياسي—سواء كان ملكيًا أو جمهوريًا أو غيره—بل الأهم هو كيفية إدارة النظام لشؤون البلاد وقيادتها نحو الأمن والازدهار، بدلاً من الانزلاق إلى الحروب والدمار.
تأثير زوال الأنظمة الملكية في العراق وليبيا واليمن لم يقتصر فقط على الفوضى السياسية، بل تعدى ذلك إلى انهيارات اقتصادية واجتماعية عميقة أثرت بشكل جذري على النسيج الاجتماعي في تلك البلدان. الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي كان يوفره النظام الملكي كان يعمل كعامل رئيسي في تحقيق التنمية والنمو. بعد زوال هذه الأنظمة، واجهت هذه الدول صعوبات جمّة في الحفاظ على الأمن وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مما أدى إلى تردي الأوضاع الإنسانية وتفاقم الصراعات الداخلية. الأردن، من جهته، يعتبر نموذجًا يحتذى به في المنطقة من حيث الاستقرار والتماسك الوطني، وذلك بفضل النظام الملكي الذي استطاع أن يحافظ على التوازن بين مختلف مكونات المجتمع. النظام الملكي في الأردن لا يعمل فقط على تعزيز الاستقرار السياسي، بل يسعى أيضًا لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. من خلال تبني سياسات اقتصادية حكيمة وتعزيز الاستثمارات الداخلية والخارجية، يحاول الأردن التغلب على التحديات الاقتصادية التي تواجهه.
النظام الملكي في الأردن ليس مجرد تقليد وراثي كما يفترض البعض، بل هو عماد الاستقرار الذي يضمن استمرارية الدولة وتماسكها. فمنذ تأسيس المملكة، والنظام الملكي يعمل على تعزيز الحكم الرشيد وتحقيق التنمية المستدامة التي تلبي تطلعات الشعب الأردني. على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية، فإن الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني قد شهد استقرارًا سياسيًا وأمنيًا لافتًا يُحسد عليه مقارنة بالعديد من دول المنطقة.
النظام الملكي الأردني لا يعتبر مجرد سلطة تقليدية، كما تحدث ماكس فيبر، بل هو نظام مؤسسي يعتمد على العقلانية ويستند إلى قوانين ومؤسسات تسمح بممارسة الحكم الرشيد. هذا النوع من الحكم يسمح بالاستجابة المنظمة والمتوازنة لمطالب الشعب، مما يعكس عمق الفهم السياسي والاجتماعي للنظام. بل يعمل النظام السياسي كضامن لتحقيق الإصلاح والتحديث بطريقة منظمة ومستقرة تضمن مستقبلًا أفضل للأردن وشعبه.
الأردن، بقيادة ملكها، قد تمكن من تجاوز الكثير من الأزمات الإقليمية التي هزت الشرق الأوسط، واستطاع أن يحافظ على استقراره في ظل تحديات اقتصادية وسياسية جسيمة. هذا لا يعني أن الطريق خالٍ من العقبات، ولكن النظام الأردني أثبت قدرته على التكيف والمرونة في مواجهة التحديات، مستندًا إلى دعم شعبي واسع.
وفيما يتعلق بالأجهزة الأمنية، لا يمكن إنكار الدور الحيوي الذي تلعبه في حماية البلاد من الأخطار الداخلية والخارجية. فهذه الأجهزة لم تقتصر مهامها على مجرد حماية الحدود أو القيام بالدوريات الأمنية، بل امتدت لتشمل جهودًا جبارة في مكافحة الإرهاب وضمان الأمن الداخلي. ومن الظلم تجاهل النجاحات العديدة التي حققتها هذه الأجهزة في الحفاظ على السلم الاجتماعي وتحقيق الأمان للمواطنين.
الأجهزة الأمنية كانت دائمًا الدرع الواقي الذي يحمي الأردن من العديد من التهديدات الأمنية، سواء كانت داخلية أو خارجية. التدخلات الأمنية كانت ولا تزال تحت السيطرة وتهدف إلى حماية النظام العام وليس القمع أو التسلط، كما يدعي البعض. النظام الأردني يستخدم الأجهزة الأمنية لضبط النظام العام وفقًا للقوانين والأنظمة المعمول بها، وهذا يعكس النهج الرشيد في إدارة شؤون الدولة.
وعلى الرغم من الادعاءات بأن هناك فساد ومحسوبية، يجب التذكير بأن هذه التحديات ليست خاصة بالأردن وحده، بل هي مشكلات يعاني منها العديد من الدول. ومع ذلك، فإن النظام الملكي قد اتخذ خطوات جادة نحو الإصلاح وتحسين الأداء الحكومي من خلال إجراءات متعددة تهدف إلى تعزيز الشفافية والمحاسبة.
فيما يخص التحديات الاقتصادية، ينبغي النظر إلى السياق الأوسع. فالأردن يتعامل مع تحديات اقتصادية هائلة ناتجة عن عوامل خارجية بما في ذلك الأزمات الإقليمية والعولمة. ولكن، على الرغم من ذلك، فإن الحكومة تواصل العمل على تحسين البنية التحتية والخدمات العامة وتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وذلك في سبيل تحقيق نمو اقتصادي يسهم في رفع مستوى المعيشة للشعب الأردني.
بالنسبة لمطالب تعديل الدستور وزيادة التمثيل الشعبي، فالأردن لا يقف مكتوف الأيدي ولا يقف النظام في وجه التغيير والتحديث . الإصلاحات السياسية والتعديلات الدستورية التي تم إدخالها على مر السنين قد جاءت لتعكس التزام النظام الملكي بالتطور المستمر والتجاوب مع تطلعات الشعب. فقد شهد الأردن على مدار العقود الماضية العديد من التعديلات التي هدفت إلى تعزيز الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية في الحياة السياسية. هذه التعديلات تعكس التزام الأردن بتطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة، وتؤكد على أهمية دور المواطن في صنع القرار.
بالرغم من التحديات، يظل الأردن نموذجًا للأمن والاستقرار في المنطقة، حيث يتبع نهجًا يجمع بين الحكمة والعقلانية في التعامل مع الأزمات. النظام الملكي في الأردن، بدعم شعبه وتفاني قواته الأمنية، مستمر في الحفاظ على سلامة واستقرار البلاد، مما يمكّنه من التطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا وأمانًا للجميع.
في الختام، الحديث عن تحديات تهدد كينونة النظام السياسي في الأردن يبقى في نطاق الخيال أكثر منه واقع، حيث لا توجد تهديدات جدية أو أخطار مباشرة تواجه النظام الذي يحظى بشرعية واسعة وإجماع من الشعب الأردني. المشكلة الأساسية في الأردن ليست في شكل النظام السياسي أو استقراره، بل تكمن في التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد. يظل النظام الملكي في الأردن ركيزة أساسية للاستقرار والتقدم، ويعكس مدى التزام الدولة برفاهية شعبها وأمنها الوطني. مع استمرار التحديات الاقتصادية، يبقى السبيل لمواجهتها هو بمزيد من الإصلاحات والسياسات الشاملة التي تضمن النمو الاقتصادي وتحقق تطلعات الشعب الأردني في مستقبل مزدهر ومستقر.
الكاتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك وخبير دولي في دراسات الديمقراطية